"أين سنعيش؟ لقد خسرنا بيتنا وأغراضنا وكل شيء"، بهذه الكلمات تساءلت المواطنة المقدسية شهيرة غيث وأطفالها، بعد أن أجبرتها قوات الاحتلال على هدم منزلها في حي وادي قدوم ببلدة سلوان الملاصقة للمسجد الأقصى المبارك من الجهة الجنوبية الشرقية.
والبيت الذي كانت تسكن فيه السيدة غيث أنشئ من الصاج المقوى، وأجبرت على هدمه بقرار من سلطات الاحتلال الإسرائيلي بزعم عدم الحصول على ترخيص بناء.
وأضافت غيث ولديها (3) بنات وولدان (أكبرهم 18 عامًا وأصغرهم 10 أعوام)، أنها عاشت ظروفًا صعبة طيلة السنوات الماضية، سكنت فيها بالإيجار منذ سنة 1994.
وتابعت أن زوجها تركها قبل (10) سنوات، وأنها وحدها المسؤولة على أطفالها الخمس، وتعيش على نفقة تحصل عليها من الحكومة.
وهيمن الحزن بقوة على شهيرة وأطفالها الذين تساءلوا عن أغراضهم وأدوات الدراسة وكتبهم وألعابهم والمكان الذي اعتادوا النوم فيه.
وذكرت أن قوات الاحتلال جاءت إليها وأخبرتها أن منزلها صدر قرار سابق بهدمه، وكان ردها عليهم أن قدمت استئنافًا على قرار الهدم، وجُمِّدت القضية إلى وقت آخر، وعندها قال لها ضابط إسرائيلي: إننا قادمون لهدم البيت، إما نهدمه نحن وإما تهدميه أنتِ.
وأكملت أنها أجبرت على هدم المنزل بيدها بمساعدة أشخاص مقدسيين، حتى لا تضطر إلى دفع تكاليف الهدم الكبيرة على يد قوات الاحتلال، وغرامات مالية تفرض عليها لاحقًا.
وفضلت شهيرة هدم منزلها بنفسها حتى لا تضطر إلى دفع (70) ألف شيقل رسوم الهدم لبلدية الاحتلال في القدس.
وقالت إنها لا تدري ماذا ستفعل بعد هدم منزلها بقرار من الاحتلال! "فأنا لا أملك المال لاستئجار بيت لإيواء الأسرة".
وتداول نشطاء وصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي فيديو لهدم بيت المواطنة المقدسية، أثار سخطًا كبيرًا على قرارات الاحتلال، وما ينتج عن ذلك من تداعيات على الأسر المهدومة منازلها وقد أصبحت في العراء.
وأقام متضامنون خيمة اعتصام فوق المنزل المهدوم رفضًا لقرار الهدم وسياسات بلدية الاحتلال التي تستهدف المقدسيين في المدينة المحتلة.
وبلدة سلوان من أكثر المناطق المهددة بالهدم الإسرائيلي في القدس ضمن سياسة الاحتلال لتهويد المدينة والسيطرة على المزيد من الأراضي الفلسطينية المحتلة لإقامة مشاريع ومخططات استيطانية.
وقال عضو لجنة الدفاع عن أهالي سلوان الباحث في شؤون القدس المحتلة فخري أبو دياب: إن عمليات الهدم الإسرائيلية، سواء على يد قوات الاحتلال أو بيد أصحابها، تأتي ضمن سياسة العقاب الجماعي والعرقي التي تنفذها (إسرائيل) لتصفية الوجود الفلسطيني في القدس.
وأكد أبو دياب لـ"فلسطين"، أن سلطات الاحتلال تمارس ضغوطات كبيرة على المواطنين المقدسيين لدفعهم إلى الخروج من القدس والبناء خارج نطاق المدينة، وذلك بسياسة الهدم التي تفرضها بذريعة البناء دون ترخيص.
وأضاف أن المواطن المقدسي يتقدم لبلدية الاحتلال للحصول على ترخيص بناء، لكنها ترفض منحهم إياه، وتلجأ في النهاية إلى هدمه حال بنائه دون هذا الترخيص، وعلى بعد أمتار يقيم الاحتلال مستوطنات عديدة تؤوي قطعان المستوطنين.
وبين أبو دياب أن الاحتلال يهدف بسياساته إلى خلق خلل في التوازن الديموغرافي لصالح المستوطنين اليهود، وإغراق المواطنين بالهموم والمشكلات والضرائب، وإجبارهم حتى على عدم الاعتراض على القرارات الصادرة من سلطات الاحتلال ومحاكمه.
وذكر أن عمليات الإخطار والهدم تصاعدت في أثناء رئاسة دونالد ترامب، والذي تنتهي ولايته في يناير/ كانون الثاني 2021، وما صاحب ولايته من إعلان ما تسمى "صفقة القرن"، وعدِّ القدس عاصمة لـ(إسرائيل)، والسماح لها بضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية.
وفي ضوء استمرار انتهاكات الاحتلال بالقدس، أكد أبو دياب أن "صفقة القرن" تُطبق بحذافيرها في القدس، تزامنًا مع إقدام دول عربية على التطبيع علنًا مع الاحتلال، ما أعطى الاحتلال ضوءًا أخضر لتسريع وتيرة التهويد وتشريد الفلسطينيين سكان القدس الأصليين.
وحول التحذيرات الدولية المستمرة من أن استمرار التوسع الاستيطاني سيحول دون إقامة دولة فلسطينية مستقلة قال: إن "ما نسمعه من تصريحات وتحذيرات ينطبق عليها المثل العربي: نسمع جعجعة ولا نرى طحنًا (...) فهذه الجمل لا تسمن ولا تغني من جوع، في وقت يعي الاحتلال تمامًا أن سقف ما يمكنه فعله من المجتمع الدولي ومؤسساته، الشجب والاستنكار، مقابل عدم فرض عقوبات على (إسرائيل)، ولذلك فإن الاحتلال يعمل على فرض وقائع جديدة في مدينة القدس والمسجد الأقصى أيضًا".