منذ انتشار فيروس كورونا قبل عام تقريبًا والعالم في سباق مع الزمن لإنتاج لقاح ينقذ البشرية من هذه الجائحة، فقد سخرت مراكز الأبحاث كل إمكاناتها العلمية والمالية مدعومة من الدول التي ترعاها وتوفر لها كل الإمكانات المالية والعلمية واللوجستية من أجل الوصول لهذا الهدف السامي، ومع كل ضحية يسقط كان الإصرار يزداد والرغبة في الانتصار في هذه الحرب تشتعل، تضافرت جهود الدول ووُصل الليل بالنهار وأغدقت الأموال وذللت الصعاب حتى لمع الضوء في آخر النفق، وأُعلن عن أول لقاح فعال ضد الفيروس من إنتاج شكة فايزر وهو إنتاج أمريكي ألماني مشترك تبعه لقاحات أخرى مثل اللقاح الصيني سينوفارم ولقاح جامعة أكسفورد البريطاني ولقاح شركة موديرنا الأمريكي ولقاح غامالبا الروسي، وفي مساء يوم الاثنين الماضي أعلنت اللجنة العلمية التابعة لوكالة الأدوية الأوروبية التابعة للاتحاد الأوروبي أنها منحت شركة فايزر ترخيصًا للقاح الذي أنتجته، وكان قد بُدِئ في استخدامه قبل ذلك في الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا "وإسرائيل" بعد إجازة اللقاح من وكالة الدواء والغذاء الأمريكية، وتتسابق الدول في هذه الأوقات من أجل توفير اللقاح لمواطنيها للحفاظ على حياتهم بالدرجة الأولى، ثم إنقاذ اقتصاداتها (المتداعية) من مزيد من التدهور الذي خلفته الجائحة، ناهيك بتدهور العملية التعليمية في كل البلدان إضافة إلى العديد من الأضرار الأخرى، اللافت في الأمر أنه بينما كان العالم في سباق مع الزمن لإنتاج اللقاح مسخرًا كل الطاقات العلمية والمالية لذلك، كانت الأمور في العالم العربي تجري على نحو آخر تمامًا، فانتشار الفيروس لم يغير عمليًّا من طبيعة الأحداث المأساوية التي تجري على أرض العرب، بدءًا من الحروب العبثية المستعرة منذ سنوات ومرورًا بانتهاكات حقوق الإنسان المروعة وكبت الحريات وانتشار الاستبداد والتسلط، وليس انتهاءً بإهدار المليارات على مشاريع ليس لها في موازين التنمية الاقتصادية أي قيمة، فرغم امتلاك العرب المليارات الكثيرة التي طمع فيها الرئيس الأمريكي ترامب الذي لم تغرب شمس ولايته حتى حاز منها (450) مليارًا، ورغم هذه الأموال الكثيرة فإننا لم نسمع أن دولة عربية خصصت جزءًا من هذه الأموال التي تصرف عادة على شراء السلاح أو الهبات كما حدث مع ترامب أو شراء لوحات فنية ويخوت وقصور، لم نسمع أنه خُصِّص مبلغ من هذه الأموال لإنتاج لقاح ضد فيروس كورونا، وكأن العرب تعودوا شراء كل احتياجاتهم بأموالهم دون أن يكلفوا أنفسهم عناء تصنيع هذه الاحتياجات رغم وجود العقول والأموال اللازمة لذلك، ورحم الله من قال إننا نسعى إلى إنتاج سلاحنا ودوائنا وغذائنا فكان مصيره السجن ثم القتل، من المثير في الموضوع أن معظم الدول العربية لن يصل إليها اللقاح إلا بعد أن يفيض على حاجة الغرب، إذ إن طاقة الإنتاج لدى الشركات المصنعة لن تستطيع تلبية الاحتياج العالمي إلا بعد مرور شهور وربما أعوام، ولذلك أصدر الرئيس الأمريكي ترامب قرارًا تنفيذيًّا ينص على توفير اللقاحات للشعب الأمريكي أولًا، ومن ثم سيضطر العرب وخاصة الدول الفقيرة للانتظار وبما يصاحب ذلك من استمرار تداعيات انتشار الفيروس إلى حين أن يمن الغرب عليهم بالجرعات التي تفيض على حاجته، وفي هذه المدة سيستمر العرب في فقدان أحبائهم، أما الدول العربية الغنية وهي محدودة، فقد فسارعت إلى حجز حصة لها من اللقاح وهي جاهزة لتدفع المليارات مقابل الحصول عليها كعادتها في تلبية احتياجاتها، ولو دفعت جزءًا من المليارات التي ستشتري به اللقاح على مراكز البحث العلمي لكفت نفسها مؤونة دفع مليارات أكثر بكثير للحصول على اللقاح، ولكن ألم يكن بمقدور العرب أن يستغلوا هذه الجائحة ليحققوا بصمة في تاريخ البشرية بتسخير بعض قدراتهم المالية والعلمية لإنتاج لقاح عربي يسعد البشرية ويرفع من شأنهم بين شعوب الأرض؟ ألم يكن بقدورهم أن يوفروا بعض المال المخصص لسباقات الهجن أو المال المخصص لشراء الشوكولاتة السويسرية أو مشروب الكوكا كولا أو البيبسي من أجل هذا الهدف النبيل؟ الجواب هو لا، والسبب أن السياسات الحكومية العربية الرسمية تابعة حتى في الأمور العلمية ناهيك بالجوانب السياسية والعسكرية والأمنية، بل ونستطيع القول إن التبيعة متحققة في كل المجالات التي يمكن تصورها، فممنوع على العرب أن يحققوا أي نهضة من شأنها أن تعيد لهذه الأمة كرامتها وأن تقيلها من عثرتها، ولذلك لا يسمح للعرب بإنشاء مراكز للبحث العلمي ولكن يسمح بإنشاء مراكز التسوق العملاقة ويسمح بإنشاء ملاعب الغولف الفخمة ويسمح بإنشاء أفخم الفنادق وأعلى الأبراج في العالم، وممنوع على العرب أن يصنعوا الطائرات أو السلاح أو الدواء أو حتى إنتاج غذائهم بأنفسهم، حتى يبقى حبل تبعيتهم مشدودًا إلى رقابهم وينتهي بيد من يوفر الحماية لحكامهم، وكسر هذا القيد لا يكون إلا بإرادة الشعوب إذا أرادت الحياة، ودون ذلك ستبقى نبوغات العرب هي تلك المسجلة في موسوعة غينيتس والمقتصرة على أكبر صحن من التبولة وأطول سارية علم وأعلى نافورة.