تجري السلطة الفلسطينية خلف عقد مؤتمر دولي لرعاية المفاوضات. هذا الجري كان قديمًا وما زال يجري من جديد. يقال: إن لقاء القاهرة الأخير الذي جمع وزراء خارجية مصر والأردن وفلسطين خرج باتفاق يدعم الجهود الفلسطينية لعقد مؤتمر دولي يستعيد المفاوضات ويرعاها. ولكن لماذا المؤتمر؟ وماذا يمكن أن يقدم لفلسطين؟
خضعت سلطة عباس لرعاية أمريكية منفردة لعقود طويلة بعد اتفاقية أوسلو رغمًا أو طمعًا، وطال انتظارها وهي تتردد بين الطمع والرغم ولم تحصل على شيء، وانتهى الجري إلى تخلي ترامب عن مطامع عباس وأعلن صفقة القرن التي وضعت نهاية بائسة لطمع عباس في الحصول على إنصاف أمريكي، أو على الأقل بعطف أمريكي؟!
عباس أعلن وهو في حالة صدمة وذهول وقف العلاقات والتنسيق مع الإدارة الأمريكية، ولكن هذا الوقف لم يجد لأنه كان شكليًّا، واستمر ترامب في مسلسل صفقة القرن، وتوزيع هدايا أمريكا على الدول العربية في مقابل تطبيع علاقاتها مع (إسرائيل)، والحقيقة أنه نجح في برنامجه في مجموعة من العواصم العربية في الخليج الثائر وفي الحيط الهادر.
دبي عاصة الإمارات التجارية شاركت هذا العام حاخام دولة (إسرائيل) في افتتاح أول مدرسة عبرية في دبي، وأول روضة وحضانة أطفال، وأول مطعم كوشير على الطريقة اليهودية، وتحتفل شراكة مع جالية الاحتلال في احتفالات حنوكا بإضاءة شمعدان الاحتفال. وما يجري في دبي يمكن أن يجري في المنامة والخرطوم ومراكش.
هل بإمكان مؤتمر دولي أن يقدم حلًّا للسلطة في مجالات قضايا الحل النهائي؟ هل بمكنة المؤتمر الدولي أن يوقف صفقة القرن أو يمنع الاستيطان أو يمنع الضم أو يوقف قطار التطبيع؟ أم أن السلطة تبحث عن شيء ينزلها عن شجرة مقاومة الأطماع الصهيونية وانحياز ترامب لمطالب نتنياهو؟!
ليس ثمة ما يرجح عقد مؤتمر دولي لأنه يتعارض مع استراتيجية (إسرائيل) حول المفاوضات الثنائية، ولكنه لو انعقد فلن يقدم شيئًا في معالجة ما تم في عهد ترامب، ومن ثمة سيبدأ المؤتمر من حيث انتهت إجراءات نتنياهو وترامب وتطبيع المغرب والخرطوم، وقد يعلن عباس موافقته على هذه البداية، ويقبل بالعرض الذي يقدمه نتنياهو، حيث تذكر المصادر أن الدولة العربية المحيطة بعباس قبلت به، وإن المؤتمر الدولي سيمثل غطاء جيدًا لرجوع عباس وقبوله بعرض نتنياهو والقبول بدولة كانتونات ترتبط (بإسرائيل) أمنيًّا واقتصاديًّا، ويمكنها أن تحمل اسم دولة فلسطين، في مكان سلطة فلسطين للحكم الذاتي؟!
المؤتمر الدولي ليس إلا شكلًا آخر من أشكال هروب الفلسطيني من مواجهة قضاياه بشكل مباشر بالاعتماد على القوة الذاتية الفلسطينية، وقوة الحق الفلسطيني الثابت بقوة الدين والقانون. إن مؤتمرًا دوليًّا لا يملك أوراق ضغط على إسرائيل لتعديل مواقفها، وليس بديلًا عن جمع القوى الفلسطينية الذاتية معًا، على منهج واضح، وهذا التجمع هو الوحيد الذي يملك قوة لفرض التغيير.