لم تعد قضية الأسرى في السجون الصهيونية تخص الفلسطينيين أنفسهم بل تخطت ذلك إلى الاهتمام والاحتضان الدولي بها لما تمثل هذه القضية من انتهاك سافر من قبل دولة الاحتلال لآلاف الأسرى يوميًّا, إذ تشير المعلومات والتقارير المستفيضة إلى أن سياسات الاحتلال بحق آلاف المواطنين تشكل نقضًا فاضحًا للقيم الإنسانية وخرقًا جسيمًا للمبادئ الأخلاقية البسيطة، وخروجًا سافرًا على الشرائع والمواثيق الدولية المعمول بها في الدول التي تحترم الإنسان وإنسانيته, فالانتهاكات الصهيونية اليومية جعلت من القوانين والأعراف الدولية وخاصة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، وكذلك اتفاقية جنيف الرابعة؛ محل انتهاك متكرر إلى جانب الضرب بعرض الحائط للاتفاقيات والمواثيق المتعلقة بمناهضة التعذيب والممارسات الخاصة بالكرامة الإنسانية.
قضية الأسرى تمثل قضية ملحة للشعب الفلسطيني خاصة وللشعوب التي تتوق إلى تحرير الإنسان من هيمنة ظلم الاحتلال بشكل عام، والجميع يرى أن الحل الوحيد لهذه القضية هو زوال الاحتلال الصهيوني والذي سينتج عنه تلقائيًّا الإفراج الفوري وغير المشروط عن الأسرى.
ما من شك أن العدو الصهيوني يستغل التطبيع مع الدول العربية وانشغال العالم بجائحة كورونا ليمارس القمع بحق أسرانا البواسل، فمنذ أن وطئت أقدام الاحتلال أرض فلسطين، وفي محاولة منه للسيطرة على شعبها وإخضاعه بشتى السبل غير المشروعة، قام المحتل بافتتاح السجون والمعتقلات التي لا تتوافق مع أبسط قواعد حقوق الإنسان، منها السري ومنها المعلن، ليزج بمئات الآلاف من رجال ونساء وشباب وأطفال فلسطين في ظروف اعتقالية أقل ما يقال عنها إنها عنصرية تسعى إلى طمس شخصية المعتقل، وإخضاعه لشتى ألوان العذاب منذ أن يقع بين جنود الاحتلال وضباط مخابراته، مثل التعذيب الجسدي الذي لا يخرج منه المعتقل إلا بمرض مزمن، أو عاهة دائمة، عدا عن أصناف العذاب النفسي الذي يترك آثاره السيئة على المعتقل ما بقي له من الحياة.
إن قضية الأسرى في سجون الاحتلال هي بحق من أخطر قضايا الصراع بيننا وبين المحتل، والتي يجب على كل حركة أو تنظيم مقاوم أن يسعى بشتى السبل لإيجاد حل يستطيع أن ينهي معاناة ستة آلاف أسير منهم نساء وأطفال ومرضى ومسنون، يختطفهم المحتل في محاولات رخيصة لابتزازهم وإخضاعهم لإرادته.
إن قضية الأسرى في سجون المحتل الصهيوني لا يمكن أن تُتناوَل كردود فعل حول بعض الانتهاكات التي تصل إلى وسائل إعلامنا، أو هبات موسمية كيوم الأسير الفلسطيني وغيره، إنما تتطلب من جميع الفعاليات والفصائل وأبناء شعبنا في الداخل والخارج أن يتم تشكيل هيئات ولجان ومنظمات تسعى إلى تفعيل قضية الأسرى وجعلها القضية الحاضرة أمام جميع المنظمات والمؤسسات العالمية، ويتم حملها مع أي مسؤول فلسطيني يغادر أو يستقبل أي وفود أو مسؤولين أو شخصيات عربية أو أجنبية، في محاولة لجعلها قضية رأي عام عالمي نستطيع أن نخفف العذاب عن أسرانا داخل سجونهم، ونسعى بشتى السبل لتبييض السجون حتى آخر أسير يعاني.