قائمة الموقع

تعاملٌ بـ"روحِ القانون" يَعْبُرُ بالملازم "محمد ريان" قُلوبَ الناس

2020-12-20T13:16:00+02:00

"ليش بتشرد أنا مش جاي أعتقلك، أنا جاي لخدمتك وحمايتك وأوضحلك الفكرة اللي إنت مش فاهمهما صح لتحمي نفسك وأسرتك وكبار السن" كلمات تسلح بها الملازم محمد ريان لفض تجمع وسط محافظة خان يونس يوم الجمعة، ١١ كانون الأول (ديسمبر)، حينما طرقت عقارب الساعة الثالثة عصرًا، لكن صداه لم ينتهِ، بعد برهة من الوقت، رن هاتفه، المتصل صديق من أيام الدراسة الجامعية: "اسمك نازل على الإنترنت"، يبدي الملازم استغرابه وعدم فهمه ما يدور في عقل المتصل، الذي زاد في التفاصيل: "شفت فيديو إلك منتشر وإنت بتوعي مواطن مخالف إنك مش جاي تعتقله، والكل بشيد إنك ضابط خلوق".

طارت من صديقه ضحكة في الهواء: "عرفتك من شخصيتك إنك زميلي"، وزاد في فخره به: "أهلي، أصحابي، الناس على مواقع التواصل الكل بحكي إيش هالأسلوب الراقي والمحترم"، - "والله يا صديق هذا أقل واجب نقدمه"، يرد الملازم محمد: "شعبنا الذي صبر على حصار، وحروب، وجوع ترفع له القبعة"، وقبل انتهاء المكالمة وضع النقطة الأخيرة هنا: "اللي بحكمنا في تعاملنا مع المواطنين هي الأخلاق، فبها تنهض الأمم".

خلال اليوم المذكور الذي فرضت فيه الجهات الحكومية بغزة إغلاقًا شاملًا لامست كلمات ريان قلوب الشبان، الذين خرقوا الحظر مرارًا، وأنصتوا لها، لكن صداها تعدى حدود الشارع الفرعي ودخلت قلوب أبناء القطاع.

بعدها انهالت عليه برقيات "شكر وتقدير" وثناء، بداية من مدير التدخل وحفظ النظام، ومكتب المدير العام للشرطة، والمراقب العام، ومكتب الوكيل، لأنه "عكس صورة الشرطة على أكمل وجه"، وكان وجهها الجميل الذي أظهره للناس.

روح "القانون"

الملازم الحقوقي ريان (22 عامًا) خريج قانون و"علوم شرطية"، التحق بجهاز الشرطة في أيار (مايو) الماضي، وفرز في "إدارة التدخل وحفظ النظام"، تميز بأسلوبٍ يغلب عليه "روح القانون" في التعامل مع الناس، يسير بشعار: "لا تحكمنا العصا والقوة وإنما تحكمنا الأخلاق والتعاون للسيطرة على الوباء"، آمن بذلك فـ"الشرطي وجد ليحمي أبناء شعبه ويحقق لهم الراحة"، تلك القواعد والمبادئ التي درسها في كليات الشرطة لم تكن حبرًا على ورق، بل حضرت في مواقف عدة، وكواليس أخرى حدثت معه ينبش في تفاصيلها في حوار التقت فيه صحيفة "فلسطين" ملازمًا ذاع "صيته" بين الناس بعد انتشار مقطع فيديو مصور له، وهو يقوم بعملية توعية لشباب مخالفين لقرارات الحظر.

في كواليس ذاك اليوم تفاصيل أخرى لم يظهرها الفيديو المنتشر، يرتب ريان المشهد من بدايته: "نزلنا في دوريات لفرض حظر التجوال وسط محافظة خان يونس وكنت قائدها، ورأينا تجاوبًا من الناس، لكن كان هناك بعض التجمعات في شارع فرعي".

يبتسم صوت الضابط بعفوية: "كانوا مجموعة شباب، كل ما أحاول الوصول إلهم بشردوا مني، زي اللي بلعب "كر وفر"، فنزلت من المركبة الشرطية".

نزل الملازم محمد وهو قائد دورية يرافقه عدد من الأفراد والعناصر، بإشارة منه يستطيع اعتقال الشبان، لمخالفتهم قرار حظر التجوال، لكنه أخرج من جعبته "روح القانون"، يعلق بنبرة صوت ممزوجة بالفخر: "أوضحت للشباب أني لست قادمًا لاعتقالهم، مع أن القوة والعناصر موجودة، وأوضحت أن عملنا في خدمة الشعب، وطبيعة واجب المواطن تجاه تلك الخدمة، وكان الاستيعاب جيدًا".

هل استمر الانضباط بعد ذلك في الطريق نفسه؟، إجابته هنا انتصار لأسلوبه وكلمات التوعية: "تكلفت بالسيطرة على الشارع كاملًا ولم أستدعِ أي دورية أخرى (...) بعد الموقف تمركزت على مفرق الطريق أكثر من ساعة أراقب الالتزام، فاستوعب أولياء الأمور الموقف وألزموا أولادهم المنازل، وبعدها سحبت الدورية ولم نرسل إشارة بمخالفة الحظر من تلك المنطقة".

عن شعوره بتلك البرقيات، امتزجت إجابته بمسيرة تعب طويلة وجهد للطواقم الشرطية، كومة من عبارات الفخر تزاحمت في صوته، بعفوية: "بعرفش، اللي صار عفوي، استغربت، وشعرت بالفخر، لكني أحب الإخلاص في عملي ومرضاة والدي".

"سأقول شيئًا: تحية لكل رجال الأمن، فنحن نعيش أجواء استنفار متواصلة حتى نجتاز أزمة كورونا، نداوم 24 ساعة متواصلة، وما يتخللها من تعب وإرهاق في سبيل خدمة شعبنا الصابر لتقديم أحسن صورة للمجتمع عنا".

"ليس دائمًا هو الحل"

تخرج الملازم محمد ريان في بداية انتشار فيروس كورونا، وقدر له أن ينزل للميدان في ذروة انتشار المرض وفي ذروة ضغط العمل الذي تعيشه وزارة الداخلية، ومنذ نزوله تسلح بروح القانون، في جعبته كلام كثير هنا: "نزلت لميدان العمل منذ شهر رمضان، وحللت مشاكل بين المواطنين في الطرقات بروح القانون لا تتسع الذاكرة لحفظها".

الحل بروح القانون هو شعور كل طرف بخطئه ثم يعتذر إلى الآخر في "حل ودي"، قد ينتج عنه "زيادة في المحبة والتسامح بين الأطراف"، بدلًا من استدعاء القانون وتسجيل الحادثة اعتداء وما ينتج عنه لاحقًا من سجن ومحكمة وشكوى، وبذلك تستمر الخصومة.

لكن ليس الروح دائمًا هو الحل المناسب، يقول الملازم: "هناك مشاكل تخرج عن سيطرة الحل بروح القانون، ونضطر فعليًّا إلى استخدام القوة لحل النزاع، لوضع الطرفين بوجه العدالة، وهذا يرجع إلى تقدير الموقف: هل يتطلب استخدام القانون أم روحه؟، وفي كلتا الحالتين يكون هناك مصلحة عامة، فمثلًا استخدام القوة هو لحماية الجهتين".

وسط الأزمة التي تضرب أوتادها في القطاع المحاصر، وتزايد حالات الإصابة بفيروس كورونا "على الناس أن تكون عونًا لرجال الأمن للسيطرة على الوباء"، يزيد الملازم: "التزام الإجراءات، وارتداء الكمامة، وعدم التجمهر، هذا شيء يحفز رجال الأمن على التعامل بروح القانون".

مواقف عدة مشابهة لمشهد الفيديو المرئي تكرر مع الملازم ريان عدة مرات، استخدم الأسلوب ذاته وأنهى التجمع، ليكون الفيديو توثيق لنجاعة الأسلوب وقدرته على اختراق قلوب الناس، أسرع من الهراوات، يستحضر أحد تلك المواقف: "تحدثت بالطريقة نفسها مع شباب لفض تجمع، فخرج أحد أولياء الأمور وقال لي: "أنا طلعت من كلامك، كل الاحترام إلك، تسمحلي أخليش ولا واحد بالشارع"، وزاد في قوله: "إنتم فعلًا مش جايين لاستخدام القوة والضرب، وأشهد بالله إنكم جايين لمصلحتنا"، وبالفعل انتهى الأمر".

يتسلح هذا الملازم بالعناصر وكل وسائل القوة المتاح استخدامها، لكن غالبًا يركنها جانبًا، فلديه "سلاح أقوى"، وهو أخلاق التعامل والتوعوية، يعطي فرصة لهذا الأسلوب كي يسلك طريقه في إنهاء السلوكيات الخطأ لدى بعض المواطنين، خيارًا يعلق عليه "الآمال" قبل أن يلجأ للقانون في حال عدم التجاوب، كسب به قلوب الناس بأسلوبه، وكان للقانون "روحه" وكان واجهة للشرطة عكست "صورة حسنة عنها بين الناس"، في وقت يحاول بعضٌ رسم صورة نمطية مختلفة وزرعها في أذهان الناس، ويحاول محمد وزملاؤه اقتلاع جذورها بتصرفات ومواقف عديدة "يغلب فيها التسامح على العصا".

اخبار ذات صلة