بعد أن تسلق الحرامي السور استيقظ صاحب البيت وقال في نفسه: سأنتظر وأراقب ما سيفعل هذا الحرامي قبل أن أفاجئه وألقي القبض عليه، فلن أتركه ينجو بالسرقة.
دخل الحرامي صحن الدار، وصاحب البيت يراقب خطواته بعين اليقظة، وراح الحرامي ينتقي ما يعجبه من الأغراض ويرزم، وصاحب البيت واثق بحقه وبقدرته على ردع الحرامي، وحين طالت مدة جمع المسروقات ورزمها، غفلت عين صاحب البيت فنام ولم يستيقظ من نومه إلا بعد أن غادر الحرامي المكان بكل ما جمع من مسروقات بأمن وسلام.
ما أشبه سلوك القيادة الفلسطينية مع الاحتلال الإسرائيلي بسلوك صاحب البيت مع الحرامي، القيادة الفلسطينية تراقب فعل الحرامي الإسرائيلي فوق الأرض الفلسطينية، وتسمع جلبة جمع الأراضي ومصادرتها، وترى كيف تهود مدينة القدس، ولا تفعل شيئًا يزعج الحرامي، أو يردعه، أو يخيفه، حتى أن الناطق باسم الرئاسة نبيل أبو ردينة يصف المشهد، ويقول:
لا تزال إسرائيل تواصل استهداف مدينة القدس المحتلة، بالمزيد من الإجراءات غير القانونية، وتغيير الطابع الجغرافي والديموغرافي للمدينة، وتمحو هويتها وثقافتها العربية بالمشاريع الاستيطانية والبنى الاستعمارية المرتبطة بها، بما فيها الوحدات الاستيطانية، والطرق والأنفاق ومشروع القطار الهوائي "التل فريك" الاستيطاني، إضافة إلى هدم المنازل، والتهجير القسري والاستيلاء على الأرض، وسحب الهويات، وسرقة الموارد الطبيعية، وإغلاق المؤسسات الفلسطينية، والاعتداء على المقدسات المسيحية والإسلامية، وإرهاب المستوطنين وغيرها من الممارسات الأحادية المخالفة لقواعد القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة.
هذا الوصف الدقيق للمسروقات لا يتحدث به إلا مراقب، يعرف بالتفاصيل، ويتابع ما يجري، فماذا تنتظر القيادة الفلسطينية أكثر من هذا كي تواجه الحرامي؟ إلى متى تظل القيادة الفلسطينية تراقب الحرامي، وتوثق قائمة المسروقات، دون أن تفعل شيئًا؟
إنه لأمر غريب، ويثير الشك، ولا سيما أن القيادة الفلسطينية -بلسان الناطق باسم الرئاسة- تعرف تفاصيل الهجمة الإسرائيلية على مدينة القدس المحتلة، وتعرف أنها منهجية ومتواصلة، بما في ذلك تكثيف الاستيطان الاستعماري، وعزل البلدة القديمة ومحيطها عن باقي القدس، وعزل القدس عن بقية أرض دولة فلسطين بهدف خلق واقع كولونيالي جديد، يجعل من حل الدولتين وسيادة فلسطين على أراضيها أمرًا مستحيلًا.
فماذا تنتظر القيادة الفلسطينية؟ متى ستقف في وجه الحرامي؟ متى تنادي على أهل الدار وعلى الإخوة وأبناء العمومة ليقفوا معها ويخلصوا المسروقات من يد الحرامي؟
والحقيقة المؤلمة أن القيادة الفلسطينية نامت بملء جفونها عن أفعال الحرامي لسنوات طويلة، ولهذا فقد خلا تصريح السيد نبيل أبو ردينة من الدسم الوطني حين قال: إن إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وقيام الدولة الفلسطينية هو مفتاح السلام والاستقرار في المنطقة!
فالسلام قد تحقق للإسرائيليين مع تواصل التنسيق الأمني، والاستقرار للاحتلال قد تحقق مع تواصل التطبيع، والأزهار للاحتلال قد تحقق مع تواصل وضع بصمته على ما جمعه من مسروقات تحت سمع وبصر صاحب البيت.
تقول بعض الروايات: وما زال الحرامي يلملم بقية أغراض البيت، في حين تلملم القيادة بقية مفردات الشجب والاستنكار.