يرى مختصون في شؤون القدس أن إعلان سلطات الاحتلال عن مخطط بناء 8300 وحدة استيطانية يهدف لإلغاء الخط الوهمي بين شرقي القدس وغربيها، ضمن مساعي إضفاء طابع إسرائيلي يهودي خالص على المدينة.
وسيغير المشروع حدود مدينة القدس، ويوسّع ما تسمى المنطقة الصناعية الجديدة "تلبيوت" وتحويلها إلى سكنية وتجارية ومنطقة ترفيه وتنزه وقاعات أفراح ومدينة ملاهٍ وغيرها. وسيتم الشروع في التنفيذ بحلول عام 2021 على أن تستمر الأعمال فيه حتى عام 2040.
ويوضح الخبير بشئون الاستيطان عبد الهادي حنتش أن الاحتلال ينفذ العديد من المشاريع الاستيطانية القائمة على إغلاق كل المنافذ التي تؤدي للقدس فارضًا وقائع تفصلها عن محافظات الضفة، وكان آخرها مشروع تهويد منطقة مطار قلنديا الذي أنشئ عام 1920م ومصادرة أرضه البالغة 650 دونمًا.
ويشير إلى أن سلطات الاحتلال تعمل من خلال تلك المشاريع على سد كل الثغرات في سبيل تهويد شرق القدس ضمن المخطط الاستيطاني الكبير (E1) والذي ينفذه على مراحل، ويهدف لخلق تواصل بين ثلاث مستوطنات منها "معاليه أدوميم" بجبل المكبر.
وذكر حنتش أن تنفيذ المخطط يتطلب مصادرة 12442 دونما الأمر الذي يفتت التجمعات السكانية الفلسطينية، عدا عن عمليات الطرد القسري التي ستفرض قضائيًا للقضاء على ما تبقى من تجمعات.
وبين أن ذلك يترافق مع مصادرة آلاف الدونمات الأخرى بزعم أنها "أملاك دولة" وفقاً للقرار العسكري لجيش الاحتلال رقم 59 الصادر عام 1967، والذي يصنف الكثير من أراضي القدس غير مسجلة في سجلات الأراضي الرسمية كـ"أملاك دولة"، رغم ما بين يدي أصحابها من سندات تثبت ملكيتهم لها، والتي لا تعترف بها سلطات الاحتلال.
ويرى أن حكومة الاحتلال استفادة جيدًا من إدارة ترامب ومثلت السنوات الأربع الماضية فرصًا ذهبية للسيطرة على القدس، "فلم تتوقف إجراءات الاحتلال عند مجرد الاستيطان بل ذهبت لأبعد من ذلك بتزوير تاريخ شرقي المدينة".
وعدّ إلغاء ما عرف في القانون الدولي بـ"الخط الأخضر" الفاصل بين الأراضي المحتلة عام 48 وتلك التي احتلت عام 67، حكمًا سياسيًّا بإخضاع مدينة القدس كافة للسيطرة الإسرائيلية وإلغاء تقسيماتها (شرقية وغربية)، "وما بناء الاستيطاني ومعسكرات الجيش على هذا الخط وفي محيطه إلا دليلًا قاطعًا على طابع تهويد القدس".
القدس الكبرى
في حين رأى الخبير بشئون الاستيطان صلاح الخواجا أن تهويد القدس بدأت منذ احتلال غربي المدينة عام 1948م وتواصل بشكل ناعم بعد احتلال شرقها عام 67، "منذ ذلك الحين تنفذ (إسرائيل) مخطط القدس الكبرى الذي يشمل فرض سيطرة على 12% من الضفة لتأمين القدس من ناحية الغرب".
ويلفت إلى أن تأمين القدس من ناحية الشرق يتم بوصلها بـ"معاليه أدوميم" حتى البحر الميت في مسار استيطاني هو الأخطر حيث يفصل جنوب الضفة عن وسطها حيث منطقة جبل أبو غنيم ووصله بمستوطنة "افراتا" في بيت لحم.
وأفاد الخواجا بأن مخطط القدس الكبرى يشمل ربط مستوطنات داخل القدس بتلك التي خارجها كربط "جفعات زئيف" بـ"عطروت" ومستوطنة "مطار قلنديا" وهو ما حدث وأعلن عنه الاحتلال قبل أسابيع.
وفي نوفمبر/ تشرين ثان الماضي، كشفت بلدية الاحتلال في القدس عن مشروع استيطاني ضخم
لإقامة حي استيطاني جديد على أراضي مطار قلنديا المهجور لتوسيع مستوطنة "عطروت" شمال القدس، ويشمل بناء 11 ألف وحدة سكنية تمتد على نحو 600 دونم صادرها الاحتلال منذ مطلع السبعينيات.
وبين الخواجا كذلك أن سلطات الاحتلال تستهدف 241 تجمعًا فلسطينيًّا من ضمنها الخان الأحمر في شرق القدس، وهو يخطط لجعل القدس أكبر مستوطنة منذ عام 1948م خلال السنوات القادمة بجلب مليون مستوطن إليها.
وحتى عام 67، خلا شرقي القدس من المستوطنين بينما سكنها 76 ألف فلسطيني حتى عام 2002م، في حين أن عدد المستوطنين اليوم بات 257 ألفًا مقابل 360 ألف فلسطيني، وفقًا للخبير في شؤون القدس.
ونبه إلى أن بناء جدار الفصل العنصري أخرج 140 ألف فلسطيني من نطاق القدس، وعزز حضور المستوطنين ليصبح عددهم نحو 400 ألف في داخل وخارج شرقي المدينة في عملية تعد من أكبر عمليات التوسع الاستيطاني.
ومضى الخواجا إلى القول: "حينما نعلم أن معاليه أدوميم مخططها الهيكلي 61 ألف كيلو متر ومدينة تل أبيب مخططها الهيكلي 62 ألفًا، يمكننا تخيل كيف سيصبح الوضع في القدس في السنوات القادمة والعدد المستوطنين الذي تسعى سلطات الاحتلال لإحلالهم في المدينة".
وذكر أن التوسع الاستيطاني في القدس يقابله إخراج عدد من البلدات الفلسطينية من شرق القدس كـ"السوارحة" و"العيزرية"، وقرى من البلدة القديمة كـ"العيسوية" و" بيت حنينا"، منوهًا إلى أن ذلك يترافق مع سياسة عدوانية تستهدف شرق القدس بالتهجير القسري والتطهير العرقي وهدم ومصادرة البيوت، إذ لم يتبقَ للفلسطينيين سوى أقل من 10% من أراض القدس".