على الرغم من الأهمية التي توليها حركة "حماس" لمهرجان إحياء ذكرى انطلاقتها السنوية، مناسبةً لبيان استراتيجياتها السياسية ومواقفها من القضايا المطروحة على الساحة من جانب، وعكس الالتفاف الجماهيري حولها من جانب آخر، لم تتوانَ الحركة في إلغائه غير مرَّة نزولًا عند ظروف وطنية ومجتمعية.
وأعلنت "حماس" أول من أمس، أن إحياء ذكرى انطلاقتها الـ(33) ستكون ضمن فعاليات إلكترونية وإعلامية، دون أي تجمعات، بسبب جائحة "كورونا"، وحفاظًا على سلامة المواطنين.
وألغت "حماس" عام 2014 حفل انطلاقتها انسجامًا مع الأوضاع المعيشية الصعبة بسبب الحصار الإسرائيلي، ومراعاة الضرر الإنساني الذي خلفته الحرب العدوانية الثالثة على غزة والتي تركت وراءها آلاف النازحين والمتضررين ممن فقدوا بيوتهم، فيما حولت فعاليات انطلاقتها عام 2015 لمصلحة تمويل مشاريع صغيرة لذوي الحاجة، وفي العام الماضي حولت فعاليات ذكرى تأسيسها لمصلحة دعم وإسناد الشعب الفلسطيني في مخيمات اللجوء اللبنانية.
رئيس دائرة الشباب بحركة "حماس" أشرف أبو زايد بين أن "حماس" شكلت إضافة نوعية لمشروع المقاومة الفلسطينية الذي امتد قرنًا من الزمان وما زال حتى اللحظة، مبينًا أنها شكلت صمام الامان للقضية واعادت الاعتبار لها.
وقال المسئول السابق لجهاز العمل الجماهيري: "استطاعت حماس تحقيق نقلة نوعية للمقاومة فتمكنت من أن تضرب العمق الإسرائيلي وجعلت الإسرائيليين يفكرون ألف مرة قبل استهداف شعبنا وأرضنا وأبنائنا".
وذكر أبو زايد أن الحركة تقدم في كل عام نموذجًا في ذكرى انطلاقتها، "فتحوصل أعمالها لتعرضها بشكل إبداعي لجميع مراقبين مهرجان الانطلاقة".
وبين أن حماس لجأت في بعض السنوات لإلغاء فعاليات الانطلاقة مراعاة للظروف الصعبة التي يعيشها قطاع غزة والحصار الإسرائيلي المفروض على غزة، فحولت موازنة الانطلاقة مرارًا لمشاريع اغاثية واجتماعية تخدم فيها كافة شرائح المجتمع وأهل الشهداء والأسرى.
وقال أبو زايد: "في هذا العام ألغي المهرجان بسبب وباء كورونا، وتركز عمل الحركة على مساعدة ضحايا وباء كورونا من المصابين والعائلات المعوزة"، مشيرًا إلى حرص حماس في ظل الجائحة على سلامة جماهير شعبنا وعدم انتشار الوباء بينهم.
فهم للواقع
بدوره رأى المحلل السياسي تيسير محيسن أن الظروف التي تحيط بالقضية الفلسطينية من جميع الجوانب تستدعي من كل مفاعيل القضية الفلسطينية وخاصة الحركات الكبرى وعلى رأسها حماس ألا تغض الطرف عنها، حتى على صعيدها الداخلي كذكرى انطلاقتها.
وعدَّ إلغاء الحركة مهرجان انطلاقتها لهذا العام، "إنما يعبر عن مستوى التقدير ومساحة الاهتمام التي توجد في تفكير حماس لمتطلبات الحالة الخاصة للقضية الفلسطينية وامتلاكها مستوى عاليًا من الوطنية والمسؤولية".
وقال: "حماس أكثر إحساسًا وإدراكًا لما يعيشه الناس من ظروف صعبة وقاسية في هذه المرحلة وتدرك تمامًا ضرورة أن تغلق أبوابا من الانتقاد قد تفتح عليها فيما لو قفزت عن متطلبات الشعور باهتمام الناس وحاجاتهم".
وأضاف: "هناك الكثير من الألسنة والعيون تترقب سقطات من هنا أو هناك للحركة التي ليست بحاجة لأبواب من النقد السلبي ضدها في سياق تعاطيها مع متطلب كمهرجان الانطلاقة يمكن الاستعاضة عنه بوسائل أخرى".
وأيدَ محيسن تحويل حماس في عدة سنوات مصاريف حفل الانطلاقة لمجالات تفيد المواطن بشكل أفضل، قائلًا: "حماس ضحت كثيرًا من أجل أن يتوفر للناس القدر الكافي من الحياة المعيشية والإنسانية وتجلى ذلك مؤخرًا في تعاملها مع وباء كورونا وما تبذله من جهود لتوفير المستلزمات الطبية والمعيشية".
وأعرب عن اعتقاده بأن حماس تقرأ المشهد وتتعاطى مع الواقع بمنطقية وعقلانية، فحينما وجدت أن الظروف الموضوعية صعبة في غزة، إضافة لعدم توفر ظروف الحياة المناسبة وما أضفاه واقع كورونا ومتطلبات الوقاية منه من صعوبات ألقت بظلالها على طريقة تعاطي الحركة مع ذكرى الانطلاقة.
وبين محيسن أن إحياء حماس ذكرى انطلاقتها إلكترونيًّا وعبر لقاءات متعددة لقادة الحركة تستعرض مفاصل تاريخية ومحطات مهمة سياسة عسكرية وأمنية، "يعطي مؤشر مهم لتقدير حماس لمتطلبات الحالة في غزة بشكل خاص والظرف العام المحيط بالقضية الفلسطينية والتهديدات الاستراتيجية التي تطالها".

