لست أدري لماذا بالغت فتح وقيادات السلطة في انتقاد الإمارات والبحرين لتطبيعهما العلاقات مع دولة الاحتلال، في حين لزمت فتح وقيادات السلطة الصمت العميق، والسكوت الأخرس مع دولة المغرب وتطبيعها العلاقات مع دولة الاحتلال، والفاصل الزمني بين الاتفاقين بضعة أشهر، ولكن الراعي واحد، هو الرئيس ترامب، ومضامين الاتفاقين واحدة، وعيوب الاتفاقين في القراءة الفلسطينية الوطنية واحدة.
الإمارات طبعت فتجاوزت المبادرة العربية وأخمدتها، والمغرب طبعت فتجاوزت المبادرة العربية ولغت وجودها، وحين طبعت الإمارات ارتحل عباس إلى الجامعة العربية وطلب إدانة عمل الإمارات والبحرين، وحين أهملت الجامعة طلبه حرد وترك رئاسة الدورة الحالية للجامعة العربية احتجاجًا، وطالب عريقات رحمه الله أمين الجامعة العربية بالاستقالة؟!
ثمانية فصائل فلسطينية عدا فتح أصدرت بيان نقد ورفض لما قامت به المغرب، فتح صمتت حتى أن قياداتها التي اعتادت التعليق والتغريد توقفت عن التعليق والتغريد، وكأن ما حدث في المغرب العربي لا يعنينا نحن، لأن المغرب بحسبهم في القارة الإفريقية، وفلسطين في آسيا؟! لماذا لم تقُد السلطة وفتح موقفًا فلسطينيًّا مشتركًا من عمليات التطبيع بغض النظر عن الدولة العربية المطبعة، لأن الضرر الناتج واحد؟!
يقال في التسريبات إن عباس هو من أصدر تعليمات مباشرة للجميع في فتح وفي السلطة بعدم انتقاد المغرب، وبعدم انتقاد أي دولة أخرى، وكأنه استسلم لواقع التطبيع الجديد، وقرر أنه لا يستطيع مقاومته، وأن النقد يضر به، ويبدو أنه وجد نفسه في المركب الغلط حين سمح للإعلام بشن حملة نقد للإمارات والبحرين، ويبدو أنه تلقى عتابًا وتهديدًا من أكثر من عاصمة، لذا قرر التزام الأدب والصمت!
أما الفصائل فهي لا تجد لها مصلحة وطنية في السكوت والصمت فقالت كلمتها متضامنة معًا في بيان مشترك، وكشفت بذلك ظهر عباس وفتح، وجعلت الناس تتساءل حول الموقف الأصوب، هل هو موقف الصمت والسكوت، أم موقف النقد وبيان الخطأ فيما جرى وسيُجرى؟!
فلسطين في حاجة لسياسة خارجية واضحة المعالم لا تجامل من يخطئ بحق القضية الفلسطينية، لأن التاريخ ماضٍ ولا يقف عند هذا أو ذاك، ومن حرمنا دعمه الحقيقي قبل التطبيع لن يأتينا منه دعم حقيقي بعد التطبيع، فالأيدي المقيدة بالأغلال لا تدفع شرًّا ولا تجلب خيرًا.