ما يعلق في ذهني هو "العهدة العمرية"، التي استودع فيها أمير المؤمنين مدينة القدس بيد المسلمين الفاتحين، وأمن فيها النصارى على أنفسهم وكنائسهم، وكانت توجب على الطرفين عدم إسكان اليهود في هذه المدينة المقدسة بسبب أعمالهم المشينة وخياناتهم ومكرهم بغيرهم.
مرت القرون تلو القرون ولم يعد للعهدة العمرية وجود عملي في الميدان، وغدت المدينة المقدسة تحت سيطرة يهود، وتخضع المدينة لإرادتهم، وصارت مسكنهم الأساسي، وطردوا منها غيرهم من مسلمين ومسيحيين. وهذه حماس تأتي اليوم لتحتفل في انطلاقتها الثالثة والثلاثين تحت شعار "فلسطين عهدة الأحرار".
لماذا اختارت حماس هذا الشعار في هذه المرحلة؟! الجواب يكمن في السياق العربي العام الذي أنتج هذا الشعار بقوة الحال والواقع. فلسطين منذ النكبة في عام ١٩٤٨م كانت في عهدة الأنظمة العربية والجامعة العربية، وكانت الضفة في عهدة مصر، والضفة الغربية والقدس في عهدة المملكة الهاشمية الأردنية. ولكن هذه الدول أضاعت غزة والضفة والقدس في عام ١٩٦٧م، ثم توالت تنازلات قادة الأنظمة مرحلة بعد مرحلة حتى وصلنا لاتفاق أبرهام ثم إلى اتفاق المغرب، ثم إلى تدريس تاريخ الحركة الصهيونية في المدارس لبناء شفقة مفقودة على كل ما هو يهودي وصهيوني!
باختصار لم تعد فلسطين في عهدة قادة العرب، ولكن فلسطين تحتاج في عملية تحريرها وإعادتها للإسلام لأن تكون في عهدة قوة كبيرة حية قادرة على تحقيق ما جاء في العهدة العمرية الكريمة، حماس بحثت في القيادات فلم تجد من يستحق تجديد العهدة وحملها، فوجدت أن الأحرار كطائفة وجنس لا يخلو منهم مكان، ولا زمان، فقررت حماس أن تستودع فلسطين بيد الأحرار، وهي في المقابل تنفي أن يكون المطبعون من الأحرار.
الأحرار في عرف شعار حماس هم من يعملون بموجب عهدة ابن الخطاب رضي الله عنه، ومن يهمل هذه العهدة أو يناقضها فهو ليس من الأحرار، وليس ممن يعملون لفلسطين، حتى وإن زعموا أنهم يطبعون لخدمة فلسطين وأنهم يتمسكون بدعم الحقوق الفلسطينية، والدفاع عن القضية الفلسطينية.
فلسطين كانت في عهدة الأحرار في الفتح الإسلامي، وهي ستعود لعهدة الأحرار بعد أن كشف الله الغطاء وأزال الغشاوة عن الأبصار، ولم يعد لقادة التطبيع وجود في وجدان القضية.