فلسطين أون لاين

حوار المحرر الأخرس: تحداني ضباط الاحتلال ولاحقًا وصفوني بـ"الصخرة"

...
لحظة الإفراج عن الأسير ماهر الأخرس
جنين - غزة : فاطمة الزهراء العويني

مثل إضراب الأسير المحرر ماهر الأخرس عن الطعام نموذجًا من نماذج النضال الفلسطيني المشرفة، إذ استمر في إضرابه حتى نال الإفراج عنه دون قيد أو شرط، رغم كل الضغوط الإسرائيلية التي استهدفت النيل من عزيمته.

وكان قوات الاحتلال أفرجت عن الأخرس في نهايات الشهر الماضي، وهو ينحدر من قرية سيلة الظهر جنوب مدينة جنين (شمال الضفة الغربية) بعد أن خاض إضرابًا منفردًا عرف بأنه الأطول في تاريخ الحركة الأسيرة لمدة 103 أيام رفضًا لاعتقاله الإداري.

قرار الإضراب

المحرر الأخرس بين أنه منذ اللحظة الأولى لاعتقال الاحتلال الإسرائيلي له في شهر يوليو من العام الحالي ولكونه أسيرًا محررًا سابقًا وضع نصب عينيه الخوض في إضراب مفتوح عن الطعام حتى تحريره.

وقال الأخرس في حوار مع صحيفة "فلسطين": "خلال تجاربي الاعتقالية السابقة خضتُ عددًا من الإضرابات الجماعية والفصائلية التي لم تحقق غالبًا نتائجها المرجوة، حيث أصبح الأسرى يلجؤون للإضرابات الفردية على عاتقهم الشخصي دون تدخل أي تنظيم فيتحمل الأسير مسؤولية إضرابه بنفسه".

وبين أن الأسرى لجؤوا للإضرابات الفردية في إثر سياسة الإذلال التي يتعرضون لها من قبل الاحتلال وما يتحملونه من إجراءات من وحدات القمع الإسرائيلية وادارة سجون الاحتلال التي تتفنن في معاقبتهم وعدم إعطائهم وقت للنوم ومساحة من الحرية الشخصية حتى أنهم تدخلوا في ملابسهم ويحددون لهم ما يلبسون صيفًا وشتاء.

وحتى زيارات الأهل تبدو بالنسبة للأسرى أمرًا مروعًا -كما يصفها الأخرس- حيث إن الأسير يكون في حالة قلق عميقة يوم زيارة ذويه لما يمكن أن يتعرض له ذووه من إذلال وتفتيش، قائلًا: "بعض الأسرى وأنا منهم كانوا يرفضون الزيارة لهذا السبب، فكنت أرفض أن يأتوا للزيارة من هذه المواقف فالموت لدي أهون علي من إجبار أمي على "التفتيش العاري" أو جرحها بكلمة هي وزوجتي وأبنائي".

وأشار إلى أن كل تلك العوامل مجتمعة جعلته يخوض الإضراب منذ اللحظة الأولى لاعتقاله لكي يجنب أهله كل هذه المتاعب ويجنب نفسه الإذلال أمام هذا السجان، قائلًا: "رفضتُ الدخول للأقسام وقررتُ خوض الإضراب تحديًا لضابط المخابرات الاسرائيلي الذي هددني بتدمير بيتي ومزرعتي حال خضتُ الإضراب".

إضراب فردي

وأضاف الأخرس: "قال لي ضابط المخابرات: "سيكون وضعك أصعب من السجن وستتصل بي ترجوني أن أعتقلك وأنا سأرفض ذلك لأنك ستبقى في الشوارع كالمتسول، فقلت له لكنني سأخوض إضرابًا وحدي ولن أطلب من أي أحد من أبناء شعبي التضامن معي وإن استشهدت في الإضراب سيثور شعبي وأمتي العربية والإسلامية ضدكم".

واعتبر أن تجربة الاعتقال الإداري (التي جربها أكثر من مرة) صعبة جدًّا على الأسير أو على الأهل الذين ينتظرون كل أربعة أو ست شهور لحظة الإفراج وهناك تكون تطمينات من ضباط المخابرات لهم بأن الاعتقال سينتهي وفي اليوم الأخير وهم ينتظرون الإفراج يأتي ضابط المخابرات بورقة تجديد ويرميها للأسير كأنه لا شيء ويمددون له شهرًا أو أكثر.

وبين الأخرس أنه حسب تجربته السابقة في الاعتقال الإداري (قبل الإضراب) أخذت سلطات الاحتلال تجدد له الاعتقال الإداري شهرًا بشهر، متابعًا: "حتى أن أهلي وأبنائي تعبوا كثيرًا من الاعتقال الإداري وكانت نفسيتهم متعبة جدًّا، هذا جعلني رافض منذ اللحظة الأولى للاعتقال الإداري، وأخبرتهم بأنهم حتى لو لفقوا لي التهم وحولوني لاعتقال بمحاكمة فإنني مستمر في إضرابي ورفضتُ تناول الدواء والطعام ولم أتناول سوى الماء".

وأعرب عن اعتقاده بأنه رغم كون الإضراب متعبًا جدًّا، لكن الإذلال متعب أكثر بكثير منه، مردفًا بالقول: "أنا لم أتحمل الإذلال أبدًا، فرغم أنني مصاب بضغط الدم وارتفاع الدهون في الدم، لكنني لم أفكر يومًا بالتراجع عن إضرابي بل كانت معنوياتي تزداد يومًا بعد يوم، وأنا أشاهد الاحتلال يتخبط حيث وصفوني بـ"الصخرة"".

وبين الأخرس أنه معروف عنه في اعتقالاته السابقة أنني عندما أدخل أي سجن يكون هناك ثورة داخله بسبب مواقفه وتشجيعه للأسرى على طلب حقوقهم ودفاعهم عنها.

ولفت إلى أن ما رفع من عزيمته هو رؤيته لضباط الاحتلال أذلاء أمامه وهم يحاولون إقناعه بأن يتناول الطعام وأنهم سيفرجون عنه خلال أيام فكان يرفض ذلك رفضًا قاطعًا، قائلًا: "كانوا يقولون لي أن جيش الاحتلال بأكمله ضد جيش "ماهر الأخرس"، فكنت أقول لهم إذا فلسطيني واحد وقف بوجهكم فوصفتوه بالجيش فما بالكم إذا ثار كل شعبنا دفعة واحدة فأنتم لن تصمدوا يومًا واحدًا أمامه".

وكان التضامن الشعبي الفلسطيني مع الأخرس يرفع من معنوياته دائمًا، يقول: "دائمًا كانت تصل إلي رسائل من تضامن الناس معي من خلال المحامين الذين كانوا أحيانًا يزورونني الأمر الذي رفع من معنوياتي كثيرًا لما لمسته من تضامن رغم تحديات "الكورونا" والوضع الاقتصادي الصعب في غزة والضفة".

وقفات التضامن

وأضاف الأخرس: "كنتُ أسعد بالوقفات التضامنية معي في المدن الفلسطينية وأكثر ما أثر فيَّ الوقفات داخل مقرات الصليب الأحمر الذي كان يزورني ويحاول إقناعي للأسف الشديد بوقف الإضراب حفاظًا على صحتي بنفس صيغة ما يتحدث به ضباط مخابرات الاحتلال ولم يصل إليَّ أي حقوقي منه".

وتابع: "عندما سمعت أن شعبي في الضفة دخلوا للصليب الأحمر ورفعوا احتجاج ضد ما يجري معي كان هذا أمر مفرح لي لغضبي من تصرفات الصليب وتجميله للاحتلال وبمحاولته وضع العراقيل أمام أي أسير يريد فضح الاحتلال فهو ذراع أمني لـ(إسرائيل)"، وفق قوله.

ومضى بالقول:" وما آذاني نفسيًا هو دخول أجهزة أمن السلطة لمقرات الصليب وطرد المحتجين منه لكن شعبي معطاء كنت أسمعه يهتف في الشوارع والطرقات العامة باسمي ويرفع صوري فكانت مواقف تبلسم جراحي".

وما زاد من فرحة الأخرس هو اتصال بعض الأسرى به (بعد تجميد الاحتلال للاعتقال الإداري) ليخبروه بأنهم شعروا داخل السجون بهزيمة ضباط الاحتلال ترتسم على وجوههم وتصرفاتهم وهو ما لم يشعروا به من قبل فكانت تتجلى خشيتهم من أن يلحق أسرى آخرون بماهر الأخرس.

وقال: كان ضباط الاحتلال يقدمون لهم بعض التسهيلات لكي لا يثوروا ويسيروا على خطواتي"، مشيرًا إلى ان الإضراب طال لأن ضباط الاحتلال كانوا يخبرونه بأن "الكابينيت" برئاسة نتنياهو لن يسمح له بالنجاح في إضرابه ولن يسمح لأي أسير فلسطيني حتى لو مات بالانتصار، وإن الانتصارات التي سبقت لمن أضربوا لن يتمكن أسير آخر من الحصول عليها مجددًا.

واستدرك الأخرس بالقول: "لكنهم فوجئوا بصلابة موقفي وإصراري على تحديهم باسم الشعب الفلسطيني فكانوا يخبرونني بأنهم لن يتفاوضوا معي طالما أتكلم باسم الشعب الفلسطيني وأنهم لن يخرجونني من السجن قبل 16 شهرًا.

وتابع: "كنت أرد عليهم بأنني لن أتفاوض معكم فقد جربناكم في أوسلو وغيرها فكانت تجربة مريرة ولن أعيد هذه المرارة إلى نفسي وبيتي وعائلتي".

وواصل الأخرس القول: "رفضت الجلوس للتفاوض معهم، وأخبرتهم كما اعتقلتموني دون أن تفاوضوني فأنا سأظل صامدًا حتى أخرج دون أي مفاوضات".

وأشار إلى أن يوم الانتصار على السجان والقرار بالإفراج عنه كان ذا وقع عظيم على نفسه، واصفًا إياه بالصاعقة التي حلت على رؤوس ضباط الاحتلال الذين يسجنونه، فشاهد الخزي والذل في وجوههم فكان مشهدًا لو تم تصويره لمثل هزيمة كبيرة للاحتلال.

ودعا القيادة الفلسطينية في رام الله للتوقف عن المفاوضات مع الاحتلال وأن يكون انتصاره وحيدًا مشجعًا لها، للتقدم في مواجهة الاحتلال وأن تثور هي وأحرار العالم ضده.