كنت ضيفًا على شاشة قناة بي بي سي لمناقشة قرار المغرب الذهاب باتجاه التطبيع الكامل مع (إسرائيل)، وقد سبقت مداخلتي مداخلة معالي وزير الخارجية المغربي د. ناصر بوريطة، ومن أكثر الأسئلة المحرجة لمعالي الوزير هو أن تبريره للتطبيع يخالف توجه الحكومة المغربية برئاسة سعد الدين العثماني ذي التوجه الإسلامي، والذي حقق حزبه فوزًا في الانتخابات البرلمانية لدورتين متتاليتين، حيث سبق للعثماني بأن أصدر موقف حكومته الرافض للتطبيع مع (إسرائيل)، فكيف تتم الأمور في المغرب؟ وما أهم الأسئلة على طاولة الملك محمد السادس؟
لا شك أن مقايضة الإدارة الأمريكية للمغرب الاعتراف بسيادته على الصحراء الغربية مقابل قرار المغرب التطبيع الكامل مع (إسرائيل) مهم، ولكنها من منظور آخر مقايضة على بيع الموقف الأصيل للمغرب ملكًا وحكومةً وشعبًا تجاه القضية الفلسطينية عامة وقضية القدس خاصةً، مقابل الإقرار بما يراه شعب المغرب حقًّا سياديًّا لهم بالصحراء الغربية.
ولكن قبل الدخول بأهم الأسئلة المطروحة على طاولة الملك محمد السادس لا بد من الإطلالة على طبيعة النظام السياسي المغربي، وموقع الدبلوماسية المغربية من هذا النظام، حتى نجيب عن السؤال الذي لم يجبه معالي وزير الخارجية المغربي، وعدم إجابة الوزير منطلقة من أدب وحسن خلق وليس جهلًا بالإجابة.
في مداخلتي أجبت عن سؤال مقدم البرنامج، وهو أن حكومة العدالة والتنمية في المغرب هي حكومة لإدارة الشأن الداخلي، حيث لا سلطة لها على وزارة الخارجية وبعض الوزارات السيادية الأخرى، التي تخضع لسلطة الملك، وهو ما يفسر التناقض في الموقف بين الحكومة والملك في نظام سياسي ملكي دستوري برلماني.
نعود لطرح بعض الأسئلة على طاولة الملك المغربي محمد السادس، وهي أسئلة يطرحها الوعي الجمعي الفلسطيني والمغربي على وجه الخصوص وكل الأحرار في العالم عمومًا.
السؤال الأول: منذ عام 1975م والمغرب يرأس لجنة القدس وهي مؤسسة عربية إسلامية انبثقت عن منظمة المؤتمر الإسلامي عام 1975، مهمتها حماية القدس الشريف، من خلال التصدي للمحاولات الإسرائيلية الرامية إلى طمس الطابع العربي الإسلامي للقدس. وما تفرع عنها من مؤسسات مثل بيت مال القدس، وهو مورد مالي مهم لتعزيز صمود المقدسيين.
سؤالي هو يا سمو أمير المؤمنين: كيف من الممكن أن يوائم المغرب بين التطبيع الكامل وبين جرائم (إسرائيل) بحق القدس وما بها من مقدسات إسلامية ومسيحية من أعمال حفر وبناء واستيطان وسن قوانين تؤكد أن القدس عاصمة موحدة لدولة (إسرائيل)؟ ما موقف المغرب حيال ذلك؟ وهل يوافق المغرب على زيارة القدس بعد قرار سموكم بالتطبيع الكامل مع (إسرائيل) من البوابة الإسرائيلية، لكون الأخيرة لا تعترف بغيرها حاكمًا للقدس ومسيطرًا على مداخلها ومخارجها؟
كيف سيكون موقف المغرب في اليوم التالي لجريمة ترتكبها (إسرائيل) بحق الشعب العربي الفلسطيني الذي له مكان في الوعي المغاربي خاصة؟ هل سنكون أمام سيناريو قطع العلاقات؟ أم سيصبح الدم الفلسطيني مألوفًا لدى الأشقاء العرب؟
هل من المنطقي مقايضة الصحراء الغربية بالقضية الفلسطينية يا أمير المؤمنين؟
سمو أمير المؤمنين محمد السادس، لقد تفاجأنا من خطوتكم والتي جاءت بعد يوم من قرار مجلس الوزراء السعودي الذي أكد فيه أنه لا تطبيع دون تطبيق مبادرة السلام العربية وجوهرها يقوم على أن لا تطبيع مع (إسرائيل) دون إنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وبعد عدة أيام من هزيمة الرئيس الأمريكي ترامب عراب التطبيع في المنطقة العربية، ولو درستم تجربة التطبيع مع دول سبقتكم بالخطوة مثل مصر والأردن وحتى منظمة التحرير الفلسطينية لوجدتم حقيقة هذا الاحتلال، وما يفعله بهذه الدول سواء عبر تمويل ودعم أثيوبيا ببناء سد النهضة بالنسبة لمصر، أو ضرب الوصاية الهاشمية على المقدسات في القدس بالنسبة للأردن، أو الاستيطان والإرهاب والحصار بالنسبة لمنظمة التحرير الفلسطينية. التجارب طويلة وأنت تعلمها جيدًا، والمكون اليهودي بالمغرب ممكن البحث بمقاربة تضمن له حقوقه الدينية بعيدًا عن أي تطبيع سياسي مع دولة استيطان وإرهاب مثل دولة الاحتلال الإسرائيلي.