"ريفان، ريفان" تنادي عليها بتتابع، وبدرجات صوت متفاوتة، وتختبئ منها، وتصرخ باسمها مرة رابعة وخامسة وعاشرة فالتفتت إليها عندما صدحت بأعلى صوت لديها.
بدأت الشكوك تتسرب إلى قلب والدتها بأن مشكلة تعانيها ابنتها، مع أنها من سن أربعة أشهر نطقت بأولى كلماتها، وبعد مراقبتها شهورًا قررت هي ووالدها إجراء اختبار للجهاز السمعي لها لتصدمها النتيجة بأنها تعاني فقدًا للسمع بنسبة 90%، وبعد صولات وجولات علاجية يدخل تارة الأمل قلبها وتفقده مرات أخرى، حتى انقلبت حياتها 180 درجة بزراعة القوقعة.
ديانا الشوا والدة ريفان (6 أعوام)، التي تقطن في مدينة غزة، تتوقع أن انتكاسة صحية وحمى شوكية كانت أصابت طفلتها أثرت على السمع.
تقول لصحيفة "فلسطين": "حاولت الاختصاصية التي أخبرتني بالنتيجة أن تغرس بداخلي الأمل وأنها ليست الحالة الأولى ولن تكون الأخيرة، فنهضت بقوة لأجل صغيرتي، ولأعرضها على أطباء ليقيموا حالتها الصحية".
بعد كل تشخيص بوجود احمرار على طبلة الأذن والتهاب ووصف علاج كانت تنتظر أن تنتهي ريفان من تلك المرحلة لتلتفت إليها عندما تنادي عليها، ولكن لا تغير يذكر، سوى أن والدي ريفان يتعلقان بحبال الأمل.
بلغت ريفان العام وأجري لها فحص السمع مرة أخرى، وكانت الغصة التي جعلت والدتها تنهار وتشعر كأنها وصلت إلى آخر المطاف أن نسبة الفقد 90% مجددًا، أما لسان زوجها فردد: "قدر الله وما شاء فعل".
تضيف ديانا: "كبلني شعور لا يمكن وصفه، صدمة واكتئاب، فتغفو جفوني وعقلي يفكر فيها، نسيت باقي أبنائي وزوجي وبيتي، وأصبحت ريفان كل حياتي".
ولما عكفت اختصاصية في إحدى الجمعيات على شرح تفاصيل الحالة واحتياجاتها وكيفية دمجها في المجتمع، وكيف يمكن أن تتجاوز أزمتها بسماعات طبية؛ بدأت معنوياتها ترتفع، وما إن شرعت في تعليمها بعض حركات الصم لتستطيع التواصل مع ابنتها حتى "تدمرت مرة أخرى".
تتابع حديثها بصوت مختنق: "أخذت عهدًا على نفسي أن أعمل كل ما يصب في مصلحتها، بدأت تتعلم ريفان الإشارات، وتطلب مني معلمتها تدريبها عليها، ولكن أهمل ذلك على حساب التكلم معي ابنتي بصورة طبيعية حتى باتت تفهم حركة شفتي ونظراتي".
وتشير إلى أن سماعة طبية وضعت لريفان، فأصبحت تسمع بعض الأصوات دون القدرة على النطق، ومع ذلك لم تخجل منها يومًا.
لم تيأس والدة ريفان يومًا من كثرة الإعادة والتكرار حتى نطقت "بوبو" و"بطة": "إنه كرم الله الذي غمرني، فشعرت بولادة جديدة لريفان، مع أن الأمر متعب وستتأخر في التحصيل الدراسي".
لا حل سوى زراعة القوقعة إذ كانت بسن ثلاثة أعوام وبضعة شهور، وبعد شهرين من العملية رُكّب الجهاز، وضعت ريفان في حضن والدتها وطبيب خلفها سيطرق لها دون انتباه منها، وآخرون أمامها يدققون في مدى استجابتها.
وزُرِعت في مستشفى الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني للتأهيل والأطراف الصناعية في غزة، الممول من صندوق قطر للتنمية.
"نظراتها عند سماعها الصوت ثم التفاتها جعلاني أحتضنها بقوة وأبكي، لا قدرة لي على التعبير عن مشاعري في تلك اللحظة".
"الأمر ليس سهلًا كما يعتقد بعضٌ –تواصل حديثها- فبعد الزراعة هناك مشوار طويل في التأهيل السمعي والنطقي، وانتظرت بصبر نافد كلمة ماما فنطقت بها ريفان بعد ثمانية أشهر من العملية".