كان ترامب الرئيس الأميركي الأسوأ والأكثر فجورًا في تعامله مع الفلسطينيين والعرب أيضًا، وكان الأكثر عنفًا في الولاء لـ(إسرائيل) وتلبية مطالبها في التوسع، إذ أخذ قرار ضم الجولان، وقرار ضم القدس ونقل السفارة الأميركية، وتأكيد حق (إسرائيل) في ضم أجزاء من الضفة الغربية للسيادة الإسرائيلية، واستبقاء جميع المستوطنات تحت سيادتها، حتى تلك التي داخل التجمعات الفلسطينية مثل (كريات أربع) التي تقبع وسط مدينة الخليل.
بعد أيام ينصرف الأسوأ إلى بيته، ويأتي بايدن البيت الأبيض رئيسًا برقم (٤٦) بين رؤساء أميركا، الرئيس بايدن لم يتحدث شخصيًّا ومباشرًا عن القضايا المذكورة آنفًا، ولكن وزير خارجيته المرشح أنتوني بلينكن تحدث أمام مؤتمر لمنظمة "الغالبية الديمقراطية من أجل (إسرائيل)"، وهي منظمة تتبع الحزب الديمقراطي، وما قاله لا يختلف من حيث الجوهر عما قاله وعمل بموجبه الرئيس ترامب، لقد أكد بلينكن أن سياسة بايدن ستحافظ على أمن (إسرائيل)، وعلى تفوقها العسكري، وتلبية مطالبها دون تردد، والوقوف في وجه التهديدات الموجهة لها، ولم يشر من قريب أو بعيد إلى المستوطنات، ونقل السفارة والقدس، وضم الأراضي، وفي التفاتة باهتة قال: "سنعمل على بعث الحياة في حل الدولتين (لكونه يخدم مصالح "إسرائيل")، وسنعيد الأطراف إلى المفاوضات، ونعيد المساعدات للفلسطينيين، مع فتح قنصلية أميركية في القدس".
وأنت إذا تأملت هذه الخطوط العامة تجد أنه لا خلاف في القضايا الإستراتيجية التي تحمي دولة (إسرائيل) بين بايدن وترامب، وأن الاختلاف في الأمور الفرعية والتكتيكية، مثل دعم حل الدولتين عمومًا، ولكن دون حسم، أي بالعودة لسياسة أوباما التي دعمت حل الدولتين دعمًا باردًا لم يثمر إجراءات عملية، وسيعيد المساعدات المالية للسلطة، وهو أمر سياسي أشبه بإبر التخدير التي تعطى للمريض حتى لا يشعر بعظم الألم، وهذه المساعدات التي تحظى بترحيب من السلطة لا تقدم حلًّا على مستوى الأرض والدولة، ولكن ستساعد السلطة على دفع الرواتب وتدبير أمورها.
كان الرهان على ترامب رهانًا خاسرا بكل المقاييس، وأحسب أن الرهان الجديد على بايدن لن يكون رهانًا رابحًا، ولنا في تجربة أوباما على مدى سنوات حكمة الثمانية عبرة وعظة، نعم يمكن للسلطة أن ترحب بالنقاط الإيجابية لسياسة بايدن الخارجية، ولكن ليس من المفيد أن تتوقع ما هو أفضل مما قدمه أوباما، لذا عليها أن تبحث بعمق في كيفية التأثير في سياسة أوباما في المسائل الجوهرية التي تخصنا على مستوى الأرض والدولة، وهذا البحث لن يكون مجديًا، إذا لم تجمع فتح وحماس شراكة وطنية حقيقية، وبرنامج سياسي متفق عليه للتعامل مع أميركا ومع دولة الاحتلال.
بايدن قد يكون جيدًا، إذا كنا فلسطينيًّا يدًا واحدة، لأن عزله عن بعض مطالب (إسرائيل) التوسعية لا يتحقق بغير الكل الفلسطيني الشريك المتوافق.