بصوتٍ هادئ تغلب عليه نبرة حادة، نادى ضابط في الشرطة على أحد الباعة في سوق حي الشيخ رضوان، بعدما رآه واقفًا أمام عربة صغيرة لبيع الخضراوات، وهو لا يرتدي كمامة.
وعلى مقربة منه لم ينبس الضابط ببنت شفة مع بائعين آخرين كانوا في المكان لسبب واحدٍ هو أنهم أبدوا التزامًا كاملاً بالإجراءات الوقائية، التي تشمل الكمامة وغسل اليدين واستخدام المعقمات والتباعد الاجتماعي.
لقد باتت هذه الإجراءات وسيلة مهمة للوقاية من فيروس "كورونا" الذي تفشى في القطاع بعد اكتشاف أول إصابة نهاية آب/ أغسطس الماضي.
ومنذ ذلك الحين يشهد قطاع غزة البالغة مساحته 365 كيلومترا مربعا بتعداد سكاني يفوق مليوني نسمة، سلسلة إجراءات أقرتها الجهات الحكومية للحيلولة دون تفشي كورونا، إلا أن الفيروس انتشر وأصاب الآلاف بغزة، وتسبب بـ139 وفاة حتى صباح أمس، وفق ما أعلنت وزارة الصحة.
وبعد ذلك لجأت وزارة الداخلية بأجهزتها الأمنية إلى التشديد أكثر من إجراءاتها ومراقبة مدى التزام المواطنين بالإجراءات المعلن عنها.
ورصدت "فلسطين" في عدة محافظات دوريات لجهاز الشرطة تطالب المواطنين بضرورة الالتزام بالإجراءات حماية لأنفسهم وعائلاتهم، كما شاهدت كيف لاحقت المخالفين لقرار الداخلية بإغلاق جميع المحال والمؤسسات بحلول الساعة السادسة مساءً.
وتابعت الدوريات باهتمام شديد حظر التجوال بحلول المساء في محافظات القطاع، وأوقفت عددا منهم وفق ما رصده مراسل "فلسطين"، وسأل عناصر الشرطة بعض المواطنين عن عدم التزامهم، وأجبروهم على العودة إلى بيوتهم.
وفي الفترة الصباحية، تعود الحياة من جديد لشوارع غزة، وتمتلئ بالمركبات والمارة رغم إغلاق المؤسسات التعليمية من جامعات ومدارس باستثناء الثانوية العامة.
وفي أحد شوارع حي الرمال، المنطقة التي تشتهر بأنها تجارية بمدينة غزة، لجأ محمد أبو جبر (23 عامًا) إلى بسطة صغيرة يبيع فيها الأحذية الشبابية بعدما كان يعمل في الأسواق الشعبية المغلقة حاليًا بقرار حكومي نظرًا لحالة الازدحام الكبيرة التي تشهدها.
ويبدي أبو جبر (23 عامًا)، من سكان حي التفاح، شرقي مدينة غزة، ويعيل أسرة مكونة، رغبته الشديدة بعدم لجوء الجهات الحكومية للإغلاق الكامل حتى تتاح له الفرصة لاستمرار عمله في بيع الأحذية بما يمكنه من إعالة أسرته المكونة من أفراد، بينهم 3 جامعيين.
وقال لـ"فلسطين"، إن الالتزام بالإجراءات الوقائية التي من الممكن أن تمنع انتقال الفيروس من شخص إلى آخر، خيار ناجح في مقاومة "كورونا"، ولن يجعل ذلك الجهات الحكومية مجبرة على إغلاق قطاع غزة مبكرًا، أو يجبرها على اللجوء إلى الإغلاق الشامل، كالإغلاق الذي بدأ في أغسطس/ آب الماضي، وامتد حتى مطلع أكتوبر/ تشرين الثاني.
ويتخذ العديد من الباعة أرصفة الطرق مكانًا لبيع ما لديهم من سلع، غير أنهم يتسببون أحيانًا بازدحام وإغلاقات وإعاقة لحركة المارة، وهو ما يدفع البلديات إلى تنظيم هذه البسطات من خلال الشرطة ويصل الأمر أحيانًا إلى إزالتها.
غير أن بائع الفواكه فتح أبو عامر، حريص إلى أبعد الحدود على عدم التسبب بأي ازدحام على أحد أرصفة حي الرمال، حفاظًا على سلامته وسلامة البائعين الذين يتلاحقون لشراء الفواكه الطازجة منه.
وقال لـ"فلسطين": إن العديد من البائعين يأتون للشراء مني، وأحيانًا لا يرتدي بعضهم الكمامة، أو لا يضعها بالشكل المناسب، فأطلب منهم ارتداءها بشكل صحيح، والحفاظ على مسافة لا تقل عن متر ونصف مني حفاظًا على الجميع.
وتابع: قرار حظر التجوال مبكرًا قد يلحق بنا أضرارا نحن كبائعين لكن الهدف من هذا القرار هو حماية المواطنين في ظل تفشي الفيروس.
ويوضح أنه لجأ حديثًا إلى بيع أنواع مختلفة من الأعشاب يمكن منها صناعة مشروبات عشبية دافئة مفيدة جدًا لصحة الإنسان تزامنًا وبرودة الأجواء وما يصاحبها من أمراض تنفسية موسمية، وتداعيات ذلك في ظل انتشار فيروس "كورونا".
وبدأت الداخلية، أول من أمس، تنفيذ إجراءات جديدة أعلنت عنها في مؤتمر صحفي، الخميس الماضي، في محاولة للحد من انتشار الفيروس، وجدد الناطق باسم وزارة الداخلية إياد البزم، في مؤتمر صحفي مشترك مع الناطق باسم وزارة الصحة الدكتور أشرف القدرة، التأكيد على أهمية التزام المواطنين بقرارات الداخلية والإجراءات المعلن عنها، ومن يخالف يضع نفسه تحت طائلة المسؤولية.
ورصد مراسل "فلسطين"، التزام نسبة عالية من المواطنين بارتداء الكمامة وحرصهم على ذلك خلال التجوال في الفترات المسموح لهم الحركة فيها، والتباعد داخل المؤسسات التي تشهد ازدحامًا كالبنوك وغيرها، حتى أن أحد أشهر المطاعم الشعبية في حي الرمال، خصص عامليْن اثنيْن لتنظيم المشترين، وتوزيع الكمامات على من لا يرتدي كمامة.