التضامن العربي عبارة قديمة فقدت مدلولها وبريقها بعيد هزيمة ١٩٦٧م. كان التضامن العربي شعارًا وجدانيًّا دغدغ المشاعر العربية، حتى وإن لم يكن ذا مغزى عملي، فالدول العربية قبل الهزيمة وبعدها كانوا متنابذين، غير أنهم حافظوا على مستوى وجداني ما لا يجرح المواطنين.
بعد هزيمة ١٩٦٧م ارتفع منسوب الوجدان العربي على مستوى قادة الدول في مؤتمر القمة في الخرطوم كرد فعل عربي تقليدي على الهزيمة، وشكل الوجدان هذا لاءات العرب الثلاثة: لا اعتراف، لا صلح، لا مفاوضات، وما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة، وما إن تمكنت مصر من حرب أكتوبر حتى دخلت إلى كامب ديفيد تعترف (بإسرائيل) دولة ذات سيادة على الأرض الفلسطينية، ثم توالت عمليات الاعتراف والتطبيع حتى وصلنا إلى اتفاق (أبرهام)، ولم تعد الدول تحسب حسابًا للوجدان العربي، ولا لجروح المواطن العربي، ولا لما سموه يومًا التضامن العربي!
آخر ما ندَّ عن الوجدان العربي العتيد، وعن شعار التضامن العربي العريق، ما ذهب إليه وزير الاقتصاد البحريني الذي زار تل أبيب معجبًا بدولة الاحتلال وتقدمها التقني والعمراني، حيث قال: نحن في البحرين لا نميز بين بضائع هي من منتجات المستوطنات وبضائع هي من منتجات (إسرائيل)، ولن يجد المواطن البحريني على السلعة ملصق التمييز الذي يجده المواطن الأوروبي في فرنسا وبريطانيا وغيرها من دول الاتحاد الأوروبي.
هذا التصريح المثير للدهشة والذي حظي باستنكار شديد من كل الفصائل الفلسطينية، يثبت أن أوروبا ذات مصداقية ما في التضامن مع الشعب الفلسطيني، وفي رفض ضم منتجات المستوطنات إلى منتجات (إسرائيل)، في حين قصف الوزير البحريني ما تبقى من مشاعر التضامن الوجدانية بقنابل حارقة للماضي والتاريخ والحقيقة، وتجاوز الموقف الأوروبي في تراجع مذهل وغير مقبول فلسطينيًّا وعالميًّا!
في هذا التوقيت الذي احتضن الزيارة واحتضن التصريح المنكر، كانت دولة تونس العربية الشقيقة تحيي حفلًا سياسيًّا وجماهيريًّا وحزبيًّا للتضامن مع الحقوق الفلسطينية بمناسبة اليوم العالمي للتضامن مع الحقوق الفلسطينية.
في المغرب العربي بقية من نخوة عربية قديمة تحفظ العهد وتستبقي الود، وفي المشرق العربي الخليجي هدم لما هو أقل من الحد الأدنى للتضامن العربي مع الحقوق الفلسطينية، وانبهار مخزٍ بالتقدم الصهيوني، وطلب غريب للمنتج الصهيوني الذي له بدائل عربية وإسلامية وبأسعار أقل.
عقدة اليهودي سكنت الخليج حديثًا، كما كانت يومًا ما تسكن المدينة قبل هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي حررت الأوس والخزرج من عقدة اليهودي، فهل بات الخليج في حاجة لمن يحرره من عقدة اليهودي المستوطن؟ أو أن في مكنة ملك البحرين أن يحرر وزراءه من هذه العقدة فيحفظ للبحرين بقية من خير قديم عرفت به؟!