يتوجه شاهر خضير يوميًّا إلى أرضه المزروعة بالتوت في بلدة بيت لاهيا شمالي قطاع غزة، وقد يكون الأمر يسيرًا على غيره من المزارعين، لكن بالنسبة إليه فهي رحلة شاقة، إذ يضطر إلى السير على قدم واحدة.
ومنذ الحرب العدوانية الأولى على قطاع غزة عام 2008، تعايش خضير (46 عامًا) مع حالته، حيث قصف الاحتلال منزله، وجرف أرضه الزراعية كاملة، ليكتشف بعد إخراجه من تحت الركام بتر قدمه اليمنى من أعلى الركبة بنحو 30 سم.
تبدلت حياة خضير كليًّا، ومنذ ذلك الوقت يعيشها عيشًا مختلفًا، فممارسة الزراعة التي اعتادها منذ كان عمره 11 سنة، أصبحت الآن مختلفة، ورغم مرور ما يقرب من 13 سنة على فقد قدمه، فإنه لا يزال يشعر بوجع الفقد ولا يتمناه لأحد.
يقول في حديث لـ"فلسطين": "الحياة تمشي، ولكن التعايش مع فقد طرف من أطرافك الأساسية أمر صعب للغاية، وخصوصًا أن عملي في الزراعة يعتمد أساسًا على قدميَّ ويديَّ"، لافتًا إلى أن قدرته على العمل في مجال الزراعة تراجع بما يصل إلى 60%.
ويضيف: "قبل الحرب كانت لدينا مساحات كبيرة من الدونمات، نعمل على زراعتها مع العائلة، ولكن الآن لا أقوى إلا على العمل في مساحة 3 دونمات ونصف فقط، كما أن من الصعب عليَّ النزول على قدمي الثانية لعمل شيء في الأرض، وأضطر غالبًا إلى التنقل والعمل ممسكًا بالعكاز".
ورغم ظروفه الصعبة لا يجد خضير من يساعده في عمله باستثناء زوجته، فإلى جانب فقدانه قدمه وابنه الأكبر في الحرب ذاتها، أصيب ابنه الثاني برأسه، أما باقي الأبناء فلا يزالون صغارًا وغير قادرين على ممارسة الزراعة كما يمارسها الكبار.
ويصر خضير على الاستمرار في العمل الذي أجاده واعتاده منذ صغره، مؤكدًا أن إعاقته لا يمكن أن تكون سببًا في توقفه عن العمل، "فالزراعة مصدر رزقي أنا وعائلتي، ولكن أتمنى أن يتحقق حلمي بالسفر للخارج لتلقي العلاج والخلاص من الألم العصبي الذي أعانيه كل يوم".
أما الشاب عوض غانم (28 عامًا) فيعاني إعاقة في يده اليمني بعد أن تعرض لإصابة عمل بفعل ماكينة كهربائية عام 2005، فَقَد على إثرها أصابع يده اليمنى الخمسة، كان الأمر حينها صعبًا على طفل لم يتجاوز بعدُ الثانية عشرة من عمره.
يقول غانم في حديث لـ"فلسطين: "بعد الحادثة تغيرت حياتي كثيرًا، فذهابي إلى المدرسة أصبح صعبًا، خصوصًا فيما يتعلق بالكتابة، ولكنني تمكنت من النجاح في الثانوية العامة، ثم توجهت بعد ذلك للعمل في مجال الزراعة مع عائلتي".
ويضيف غانم: "العمل في الزراعة هو الفرصة الوحيدة التي أتيحت أمامي في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها قطاع غزة، وفي ظل الإهمال الكبير الذي يعانيه أصحاب الإعاقات".
ويشير إلى اضطراره إلى العمل في هذا المجال والاستمرار به حتى لا يحتاج إلى أحد من أجل إعالة أسرته وأطفاله الثلاثة، "فالعمل في الزراعة متعب للغاية، خصوصًا لمن يفقد أحد أطرافه الأساسية، "كما تعلمين، فلا يمكن للمزارع أن يستغني عن أصابعه، فكيف بمن يفقد أحد أطرافه كليًّا؟".
ويلفت غانم إلى أنه رغم صعوبة العمل فإنه غير قادر على جلب أي عمال لمساعدته، بسبب قلة المردود المالي الذي يتحصل عليه من العمل الزراعي، معبرًا عن أمله بتحسن ظروفه والحصول على عمل بديل يكون أقل تعبًا وإرهاقًا لصحته.
ويوجد في قطاع غزة أكثر من 127 ألف شخص يعانون إعاقات متعددة، تتنوع بين صعوبات في الإبصار، والسمع، والنطق، والحركة، إضافة إلى النوبات والسلوك الغريب والتخلف العقلي بمستوياته الثلاثة والتشوهات.
وحتى 20 سبتمبر/ أيلول 2020م، بلغت أعداد المصابين بإعاقة طرفية نحو 52916 شخصًا؛ أي بنسبة 2.9 % من إجمالي سكان القطاع.
وأشارت بيانات التعداد العام للسكان والمساكن والمنشآت في تقرير لجهاز الإحصاء لعام 2017 إلى أن عدد الأفراد الذين يعانون صعوبة واحدة على الأقل في فلسطين قد بلغ 255228 فردًا؛ أي ما نسبته 5.8% من مجمل السكان، منهم 127266 في الضفة الغربية، يشكلون ما نسبته 5.1% من مجمل السكان في الضفة الغربية، في حين أن عدد الأفراد ذوي الصعوبات في قطاع غزة 127962؛ أي ما نسبته 6.8% من مجمل السكان في قطاع غزة.