أعرب مختصان عن اعتقادهما أن السلطة الفلسطينية ستلجأ إلى إنهاء ملف رواتب الشهداء والأسرى إنهاء يضمن لها عدم انزعاج الاحتلال، عادَّين ردود فعل قيادتها المستنكرة خصم جزء من أموال المقاصة "فقاعات إعلامية".
وكان المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر (كابينيت) قرر أول أمس مصادرة مئات الملايين من الشواقل من عائدات الضرائب الفلسطينية، قيمة فاتورة رواتب الأسرى والشهداء عن عام 2019م.
المحلل السياسي تيسير محيسن رأى أن موقف السلطة في التعامل مع مطالب الاحتلال منذ البداية فيه اختلال واضح، موضحًا أن قيادتها لم تقف يومًا واحدًا بصلابة ووطنية عالية أمام مطالبه وإملاءاته، ليس فقط على الصعيدين الاقتصادي والأمني بل السياسي أيضًا، والشواهد الميدانية تؤكد ذلك.
وأضاف محيسن لصحيفة "فلسطين": "إن العادة جرت أن كل ما يرغب الاحتلال بوجوده في إطار علاقته مع السلطة تنفذه الأخيرة بل الانصياع له، حتى إنْ أبدت في البداية نوعًا من الاعتراض، فإنها تتراجع لاحقًا وتُوجد تخريجات لقبولها مطالبه".
فعلى صعيد ملف الشهداء والجرحى -وفقًا لحديثه- الاحتلال منذ شهور طويلة اتهم السلطة بتقديم مساعدات لهم، ولكونه يصنفهم "إرهابيين" وأنه لا يقبل ذهاب أموال السلطة لـ"دعم الإرهاب"، طالب السلطة بقطع رواتبهم، ومقابل ذلك لم تبدِ السلطة عمليًّا تحديًا لهذا المطلب، بل تكتفي بتصريحات إعلامية معبرة عن رفضها.
أما على أرض الواقع فالسلطة قطعت رواتب مئات الأسرى والجرحى، ولديها توجه أخيرًا للتعامل معهم على أنهم أسر فقيرة تحتاج لمساعدات، وهي تجري "بحثًا اجتماعيًّا" بشأن هذه الأسر، تمهيدًا لتضمينهم في كشوفات الشؤون الاجتماعية، وفقًا لإفادة محيسن.
انعكاسات خطيرة
وأبدى أسفه لكون هذه الخطوة سيكون لها انعكاسات سياسية خطيرة متمثلة في تحويل هذه الفئات التي قدمت وضحت من أجل وطنها وشعبها إلى "بند الشؤون"، وتحويل سلوكها النضالي إلى سلوك منبوذ ومرفوض ومتهم ومدان، مضيفًا: "إن السلطة ستفكك الملف بإحالة جزء على بند الشؤون، وآخر للتوظيف في السلك الوظيفي لها، في حين ستقطع رواتب الأسرى والشهداء من التيارات السياسية المخالفة لها كحماس".
وبين أن ما تقوم به السلطة فعليًّا يمثل تحقيقًا لما يسعى إليه الاحتلال، وهو رفع السمة النضالية عن هذه الفئات كي لا يقتدي بهم الشباب الفلسطينيون، وهو نوع من أنواع الحرب التي يستخدمها تحت مسمى القتل المعنوي للنضال الفلسطيني.
في حين رأى مدير مكتب إعلام الأسرى بغزة ناهد الفاخوري أن السلطة ستتسلم أموال المقاصة حتى بعد اقتطاع الاحتلال منها مستحقات الأسرى والشهداء لعام 2019م، لافتًا إلى أنها تتعامل إعلاميًّا بشكل مختلف عن الواقع، فهي تصرح أنها ترفض الاقتطاع وأنها ستعوض الشهداء والأسرى، ولكن سلوكها على أرض الواقع فيه إشكالية.
وأضاف الفاخوري لـ"فلسطين": "إنه في عهد حكومة الحمد لله تقرر عدم الاعتراف بأي أسير يعتقل على خلفية "حيازة أو استخدام السلاح ضد الاحتلال"، تلا ذلك حل وزارة الأسرى وتحويلها إلى هيئة ثم تقليص خدمات مؤسسة نادي الأسير وسحب جزء من صلاحياتها وتحويلها إلى الهيئة".
وأشار إلى أن السلطة قطعت لاحقًا رواتب بعض الأسرى والمحررين، خاصة محرري "وفاء الأحرار"، وقمعت خطواتهم الاحتجاجية على قطع رواتبهم، وخضعت أيضًا للأوامر الإسرائيلية للبنوك الفلسطينية بعدم التعامل مع حسابات الأسرى.
وقال الفاخوري: "إن هذا يجعل السلوك الإسرائيلي له ما يسوغه أمام العالم؛ فإذا كانت السلطة قد اتخذت خطوات ضد الأسرى، فالاحتلال يعد نفسه الأولى باتخاذ إجراءات أكثر شدة"، لافتًا إلى أن من يقرأ ما بين السطور يتأكد له أن ملف الأسرى يتجه نحو التصفية فعليًّا وحقيقيًّا.
ورأى أن التصريحات الأمريكية ضد الأسرى والشهداء واقتطاع الاحتلال حصتهم من أموال الضرائب، وسلوك السلطة تجاههم، تبدو كأنها كلها تأتي في السياق نفسه، مؤكدًا أن السلطة مخطئة تمامًا في الاستجابة للضغوط الإسرائيلية والأمريكية في هذا الإطار.
وتوقع استمرار السلطة في قطع رواتب الأسرى والجرحى من الفصائل المعارضة لها، في حين ستحول المنضوين تحت فصائل موالية لها إلى بند التوظيف في وزاراتها، منبهًا إلى أن التعامل بفصائلية وحزبية سيضر قضية الأسرى كثيرًا.
ترويض وانحدار
في السياق قال النائب عن كتلة التغيير والإصلاح يحيى العبادسة: "إن سياسات الاحتلال بخصم أموال المقاصة ليست جديدة ودفعت السلطة لمزيد من التنازل، وإن شعبنا مدرك واقع السلطة التي بعودتها للتنسيق الأمني لا تفرق بين ما هو مبعث العزة والذلة".
وأضاف العبادسة في تصريح صحفي أمس: "إن السلطة منذ إنشائها تتنازل عن الأرض وتسكت عن السرقات التي يقوم بها الاحتلال الذي يوصلها من حضيض إلى حضيض أسفل منه، وهو ما يشجعه على المزيد من الاعتداءات وتهويد الضفة الغربية والقدس المحتلتين ونهب ثرواتهما".
ورأى أن الاحتلال مطمئن أن السلطة لن يكون لها رد فعل، مشيرًا إلى أنها منذ إنشائها هدفها الأعلى "مصالح العصابة التي تحكم، وكيف تحقق امتيازاتها ومصالحها الخاصة، فهم يقايضون الأوطان بالمصالح".
وأكد أن الاحتلال دأب على ترويض السلطة، وكل يوم يدفعها لمزيد من الانهزام.