بعد إبرام اتفاق (أبراهام) مع أبوظبي والبحرين ثم السودان، قال لي: كيف نستعيد القضية الفلسطينية؟ قلت: بل الأَولى أن تسألني عن كيف نستعيد الأمة العربية؟ لأننا إذا استعدنا الأمة استعدنا القضية. الأمة ليس لها وجود تقريبًا في السنوات الأخيرة، والموجود منها الآن هو أقطار عربية متخاصمة، وقادة أقطار هم شركاء ولكن متشاكسون، يتربص بعضهم الدوائر في بعض!
المنطقة العربية تعيش فراغًا قياديًّا خطِرًا، فلا يكاد يوجد لها رأس جامع يجمعها ويوحد بينها تحت ظل رؤية سياسية وطنية قومية واضحة المعالم. ومع ذلك يدَّعي بعض قادة الدول التي لا تملك مؤهلات القيادة أنه يمثل رأس الأمة العربية والمتقدم منها والجامع لها، وهذا القول، أو قل هذا الزعم لا دليل عليه، وإنما هو وهم وجَرْيٌ وراء سرابٍ بِقيعة يحسبه هذا المدّعِي ماء، حتى إذا جاءه لم يجده شيئًا، ووجد الحقيقة الساطعة المكذِّبة له عنده.
وكما لا يوجد قائد عربي جامع لقادة الدول، ومن ثم جامع لمكونات الأمة، فيمكن القول بأن الجامعة العربية فشلت أيضًا في أن تكون رأسًا جامعًا لها، حيث غدت ميدانًا لأقطاب متشاكسين، يكذب بعضهم بعضًا، ويمكر بعضهم ببعض، وبات أمين الجامعة نفسه رهنًا لجنسيته، ورهنًا للأغنى مالًا!
في ظل هذا الفراغ القيادي الجامع، تمزقت سياسة الدول العربية أيادي سبأ، وبات بعضها أقرب إلى "تل أبيب"، منه إلى القدس! وباتت (إسرائيل) موجودة في جل العواصم العربية، ويستعين بها بعضهم فيما يُسمى وهمًا بالخطر الإيراني والخطر التركي! والحقيقة الناصعة تقول إنه لا خطر تركي ولا إيراني. في ظل ضياع الأمة هذا، فإنه من الحتمي أن تضيع القضية الفلسطينية، وأن تسقط من السياسة العربية، ومن القرار العربي، والأدهى من ذلك أن تسقط من وجدان بعض قادة العرب وهم يستشرفون أن يكونوا رأسًا للأمة بمساعدة الأجنبي، دون مؤهلات قيادية كافية!
ماذا على قادة فلسطين أن يعملوا في ظل هذا الفراغ، وفي ظل الشركاء المتشاكسين، وفي ظل غياب القائد الجامع، والمؤسسة الجامعة، لاستعادة القضية ومقاومة محاولات إسقاطها، لا سيما أن قادة المنظمة شاركوا المتشاكسين أعمالهم منذ توقيعهم اتفاقية أوسلو التي مهدت لاتفاقية (أبرهام)، وحيث نقلوا أمراض المتشاكسين إلى الساحة الفلسطينية؟! إذا أقرَّ قادة المنظمة ببعض ما جاء في التشخيص آنف الذكر، وجب عليهم أن يخرجوا من هذه الدائرة، وأن يعملوا من أجل الديمقراطية، والشراكة، ووضع كل الفلسطينيين تحت مظلة جامعة جيدة البنيان تتجاوز بهم أوسلو بعد أن تجاوزه العدو، وبعد أن غرق أوسلو في الفشل!