فلسطين أون لاين

تقدمها مع عبارات براقة

"زينب السيسي" تُحلِّي "حياة المُعْسِرين المُرة" بـ"رشة سكر"

...
غزة- يحيى اليعقوبي:

تمسك دفترًا لأسماء مُعسِرين، ومبلغًا من المال مغلفًا بظرف تكسر لونه الأبيض كلمات مرصعة بلون السماء كتبتها بخط يدها: "رشة سكر تحبكم وتتمنى لكم الأفضل".

منذ عدة أيام استطاعت جمع التبرعات لسداد قسط بناء منزل صغير لسيدة مطلقة لديها ثلاث بنات، ولضيق الحال اضطرت السيدة إلى بيع معظم أثاث بيتها لسدادها، وهي تقف اليوم على حافة الطرد حتى من الملاذ والمأوى الذي هربت إليه من ضيق الواقع والحياة، فقد أصبح فارغًا من الطعام.

لمساعدة الفقراء والمحتاجين، تتطوع زينب السيسي من مدينة غزة منذ أربعة أعوام، مع مبادرات عدة تغيثهم، لكنها منذ عام بدأت تحلي حياة المحتاجين بـ"رشة سكر" اسم مبادرتها التي وجدته يعبر عن الواقع والقيم التي تسعى لترسيخها.

تطل من نافذة خشبية خلفها أوراق خضراء تتسابق للصعود إلى الأعلى تجاه البحر، وصوت الموج يبعث بالنفس روحًا منعشة، كذلك تدخل هي إلى معاناة السيدة التي جلبت لها مساعدة، وقد عكست ملامحها سعادة لا توصف: "المرأة مطلقة، استدانت مبلغًا من المال من أختها الأرملة التي تصرف على أيتام مبلغ 4 آلاف دولار، لبناء غرفة لبناتها فوق منزل عائلتها، وهي مهددة بالطرد وشقيقتها تلح عليها بالدين".

نشرت زينب حالة السيدة على صفحتها في (فيس بوك)، فجمعت مبلغًا لسداد القسط البالغ 100 دولار، ساهم فيه ستة أشخاص، وهم من بسطاء الحال أيضًا.

رشة بسيطة

"أطلقت مبادرتي وأسميتها "رشة سكر"، والرشة شيء قليل، تضعه على الماء أو أي شيء ليحليه، وهكذا الإنسان يمكن أن يساهم بخمسة أو عشرة شواقل، وهذا المبلغ باستطاعة المعظم تقديمه، وهذه الرشة البسيطة مع رشة أخيك وأختك تستطيع عمل شيء تحلي به حياة الفقراء" تعرض شرحًا لصحيفة "فلسطين" مختصرًا عن مبادرتها.

بإجابتها عن أهمية العمل التطوعي عندها، امتزج صوتها بثقة تشابه ثقة الأمواج بحتمية عودتها للبحر بعد عملية "مد وجزر"، تعلو ملامحها ابتسامة مشرقة: "هو شخصيتي وكينونتي، الجزء الأكبر من سعادتي مساعدة الآخرين، أعده هدف حياة، ربما لا أحدث تغييرًا جذريًّا في حياة الآخرين، لكني أقف معهم بمواقف صعبة".

تسكن زينب بمدينة غزة، لكن حدود مبادرتها الناشئة تمتد عبر مساحة قطاع غزة ومحافظاته الخمس، تقف أمام مسؤولية وهدف كبير تسعى لتحقيقه، لا تخفي الصعوبات: "رغم بعد المسافات الله ييسر لي طرق إيصالها في كل مرة لمستحقيها، أحيانًا تصعب علي المواقف، مثل ذاك الرجل المريض الذي أصيب بجلطة واحتاج لمبلغ من المال ولم يجد من يساعده، يومها أحضرت له الدواء ورأيت الدموع تملأ عينيه".

تفتح دفتر الأسماء الذي يمثل قاعدة بياناتها، تقلب الصفحة الأولى وتتضمن أسماء وعناوين عائلات من رفح وخان يونس، ثم انتقلت للصفحة الثانية وبها أسماء أشخاص من الشاطئ ومناطق مختلفة بغزة، وصفحات أخرى من شمال القطاع، وكلهم استطاعت الوصول إليهم، ولكل اسم قصة وحكاية.

تزيد بعفوية: "لو تصدق كل شخص منا بشيقل وثانٍ بخمسة وآخر بعشرة شواقل، فإن الجبال تبنى من الحصى، بذلك نجمع مبلغًا يسد رمق عائلة ما".

"تلامس القلوب"

"العمل التطوعي يدل على الرقي الموجود بداخل الإنسان، الذي يعطي ما عنده، ويدل على مشاعره الإنسانية وحب الناس، ويعطي الآخرين دون مقابل، وهذا منتهى السعادة والرقي رسم البسمة على وجوه أطفال ونساء لا يستطيعون توفير لقمة العيش".

تدعم زينب منشوراتها بصور حية للحالات، وتلامس بها قلوب الناس، فيتفاعلون معها ويبادرون بمساعداتها.

تعتمد المبادرة على مساعدة "البسطاء للبسطاء"، على المنهج النبوي "تصدق ولو بشق تمرة"، تعلق وتتمنى أن يتلقف صوتها الفقراء والأغنياء معًا: "أحاول تعزيز مبدأ الصدقات حتى لو بأقل القليل، وأن ذلك ينمي مالهم ويعيده الله أضعافًا، ويفتح عليهم أبواب الرزق".

تتمنى زينب أن يصل صدى مبادرتها إلى رجال الأعمال والناس الأغنياء والمقتدرة، وتدعم وتكبر قاعدة البيانات، وتصل إلى مئات بل آلاف الأسر، حلم يواجه صعوبات وتحديات الواقع، الذي ألقى بظلاله على الجميع، لكنها لم ترفع راية اليأس والاستسلام، وتحارب قناعات مختلفة، وتبث روح التفاؤل في النفوس وتحثهم على المساعدة ولو بأقل القليل، تعزيزًا لمبدأ التكافل وتنمية لروح العطاء.

أمسكت هاتفها المحمول، وعرضت بعض الصور التي وصلت إليها، سبقت كلماتها تنهيدة ممزوجة بواقع مرير: "ليتني أستطيع تلبية متطلبات الجميع"، تمرر أصبعها على الشاشة: "انظر هذه فرشات طلبتها سيدة، فقط طلبت مني ذلك وقد خلا منزلها منها، وهذه صورة طاقة بديلة أنرنا بها حياة عدة عائلات، وهذا دواء ... إلخ".

"أقدم المبلغ مع الحب مع عبارات براقة تلامس القلوب: "رشة سكر تحبكم وتتمنى لكم الخير"، وليس مجرد أني أساعدك بوجه عبوس، أخبرهم أني أحبهم وأفكر فيهم وأقدم لهم المساعدة بكل حب، وهذا هو شعارنا أن الحب مقدم على المال، وأننا نشعر بهم، حتى إن لم أستطع المساعدة أترك دعوة لهم".