من أجل النهوض والاستمرار في محاولة التوصل لمصالحة ووحدة وطنية لتحقيق الأهداف الوطنية المشروعة، ومن أجل أن يسود التعاون الوطني بدلًا من التعاون مع الاحتلال لا بد من تقييم واضح لأضرار إعلان حسين الشيخ العودة للتنسيق الأمني، أو بمعنى آخر كيف نحوّل الأزمات والمخاطر إلى فرص.
الضربة التي وُجهت لمسار المصالحة من قبل تيار حسين الشيخ في فتح والذي لقي دعما من الرئيس أبو مازن، كانت مزدوجة، صحيح أن الجانب الأول منها وهو التوقيت كان أوضح وأكثر بروزًا في الرأي العام، ولكن جانب المضمون هو الأخطر، فدلالات ومعاني هذه العودة لها تداعيات واضحة على استمرار مسار المصالحة، ومن أهم ذلك:
1. ضربة جديدة للثقة بين الطرفين واحترام الكلمة وضرورة التعاون والتشاور والشراكة، خاصة أن الإخوة في فتح اعتمدوا في مباحثاتهم على قضية الثقة والكلمة "اللي ما بتصير كلمتين" في مسألة التزامن أو التوالي في تجديد شرعية مؤسسات الشعب الفلسطيني الوطنية كالمنظمة والسلطة، كيف يمكن الاعتماد في تفاهماتنا على الثقة بعد الآن؟ وقد يكون هذا هو الدرس الأهم مما حصل، أي وجود ضمانات للتحركات والاتفاقات.
2. أما دلالة المضمون الثانية فتتعلق بطريقة اتخاذ القرار داخل السلطة والتخبط والتردد بين السياسات، وهذا أمر خطر آخر ظهر من طريقة اتخاذ قرار العودة إلى العلاقة مع الاحتلال. في السابق وتحديدًا في 19-5-2020 تطلب الأمر وبحق كلمة مرتبة ومدروسة من السيد أبو مازن أمام قيادة المنظمة في رام الله "غير كافٍ ولكنه أفضل نسبيًّا"، أما قرار العودة فلم يتطلب إلا تغريدة لم يتم فيها مشاورة أحد، وهل فعلًا ستلتزم "إسرائيل" بتعهداتها كما جاء في ورقة أبو ركن؟
على هذا تسقط حكومات في أي كيان سياسي يحترم نفسه، الأمر الغير متوفر في هذا الجزء من العالم، ثم يقول قائل: المشكلة في التوقيت فقط وليست في المضمون! فالتنسيق الأمني كان يسير جنبًا إلى جنب مع المصالحة باستمرار، وهي مقولة صحيحة ولكنها قد تكون مضللة دون قصد، فما نشأ في فترة ترامب يختلف عما كان قبله، وليس شرطا ان ما حصل في الماضي هو صحيح أيضًا للحاضر، فالظروف والمعطيات تتغير باستمرار، والذهاب للمصالحة في ظل تنسيق أمني هو أمر اضطراري من المفترض العمل بحكمة على تغييره نحو الأفضل وعدم تثبيته كمرجعية وطنية في تحركاتنا الوطنية، ليس هذا شرطًا للمصالحة بل موضوع خاضع للتغيير الحكيم.
3. أما دلالة المضمون الثالثة فتتعلق بالإيمان والتمسك الراسخ بالتسوية الذي ظنّ بعض الوطنيين أنه قد تزحزح، مما شكّل دافعًا إضافيًا لهذا البعض بتقديم المزيد من المرونة من أجل المصالحة الوطنية، هذا الأمر قد تضرر أيضًا بإعلان حسين الشيخ " وهو بالضرورة قرار الرئاسة ".وهو أمر سيلقي بظلاله على أي مسار مصالحة آخر جديد.. وهو بالضرورة قادم.
هذه بعض دلالات المضمون لخطوة العودة للتنسيق الأمني أثناء حوار المصالحة. وحتى يتم قطع استمرار انتصار تيار التنسيق الأمني في الشعب الفلسطيني، وحتى يتم منع هذا التيار من قطف ثمار نصره المهين بزعزعة المصالحة وإعاقتها لا بد من العودة إلى مسار المصالحة بفهم وإدراك ورؤية مختلفة عما سبق.
أهم ملامح هذه الرؤية:
. المشكلة ليست بين فتح وحماس، بل بين أنصار المصالحة والمقاومة من أبناء وفصائل الشعب وبين خصومها المدعومين بشكل أو بآخر من قوى إقليمية.
. تعزيز وتطوير التعاون بين قوى المصالحة والمقاومة شعبيًا ورسميًا، سياسيًا واجتماعيًا والانتخابات هي المدخل الأمثل لذلك.
. الملمح الثالث من ملامح هذه الرؤية: التوافق على مشروع وطني واضح المعالم من حيث الأهداف والوسائل، وقد تكون رؤية الأخ خالد مشعل مناسبة في هذا الإطار.