كان قرار وقف التنسيق الأمني مع الاحتلال قرارا للمجلس المركزي لفتح وللجنة التنفيذية للمنظمة، وكان مطلبا لكل الفصائل الفلسطينية، وكان مطلبا للشعب الفلسطيني في الداخل وفي الخارج. وكان قرار العودة للتنسيق الأمني أول من أمس قرارا فرديا لمحمود عباس، وتنفيذا مباشرا لحسين الشيخ وزير الشئون المدنية، القيادي في حركة فتح، المقرب من محمود عباس، والمقرب من قائد الإدارة المدنية للضفة اللواء أبو ركن.
كان قرار وقف التنسيق الأمني قرار مجموعة من المؤسسات، وكان قرار العودة قرار فرد يقفز عن كل المؤسسات، ولا يحترمها إلا احتراما شكليا حين يريد أن يمرر من خلالها أمرا ما على المواطنين والفصائل. وهذا الخلل لم يعد يخفى على أحد بسبب توارد التجارب وتعددها في هذا المجال.
يقول الخبراء: التنسيق مع الاحتلال، يتضمن نوعين: الأول التنسيق المدني، كالتحويلات المرضية، والمقاصة المالية، والضرائب وإدخال البضائع. والتنسيق الأمني الذي هو نوع من التخابر وتبادل المعلومات حول الأخطار الداخلية والمقاومين وتجارة السلاح وخلاف ذلك. النوع الأول هو الذي توقف، وتوقفه لم يضر بالاحتلال، ولكنه أضر بالمواطن الفلسطيني المريض. والنوع الثاني لم يتوقف البتة، ولو لساعة واحدة، وهذا ما أكده الوزير السابق القيادي في فتح سفيان أبو زايدة، وغيره من قادة فتح، وقادة الفصائل، وأكدته التصريحات العبرية والأميركية.
جلّ ما نعرفهم من قادة فتح، وقادة الفصائل قالوا نحن لم نصدم بعودة التنسيق الأمني بقرار معلن من عباس، لأننا كنا نعلم أنه لم يتوقف أصلا، وكنا نعلم أن عباس سيعود إليه بعد أن يحقق أهدافه التي دفعته للإعلان عن توقفه.
عاد عباس للتنسيق الأمني وأتحفنا حسين الشيخ بأن العودة كانت انتصارا كبيرا لعباس لأنه تلقى رسالة من اللواء أبو ركن تفيد بالتزام (إسرائيل) بما تم الاتفاق عليه! عباس عاد وراية النصر ترفرف، هو يراها، ولكن شعبه لا يراها! "أريكم ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد"! عباس لم يتلقَّ رسالة من نتنياهو أو من وزير الدفاع أو من وزير الأمن الداخلي، هو تلقى رسالة من موظف شئون مدنية برتبة لواء، وهذا يعني انخفاضا هائلا في مستوى التعامل مع قائد السلطة!
ومن مقتضيات المنطق والطبيعة أنه إذا عاد عباس إلى نتنياهو منسقا أمنيا ومتخابرا ضد المقاومين من شعبه فإن عودته أو عودة سفيره للمنامة ولأبو ظبي أولى وأوجب، وعليه يتساءل المواطن الفلسطيني: لماذا كانت هذه الانتقادات للإمارات وللبحرين؟! وهل هذه هي السياسة الحكيمة في إدارة العلاقة مع الاحتلال، ومع الدول التي طبعت ومزقت المبادرة العربية، وقرارات الجامعة العربية؟!
إذا كانت هذه هي السياسة الحكيمة فجل الشعب والشعوب العربية جهلة مقارنة بقادتهم، وإذا كانت الشعوب جاهلة والقادة حكماء أذكياء، فلماذا يفشلون في بناء نهضة بلادهم؟! ولماذا يفشلون أمام (إسرائيل)؟! ويفشلون في إدارة العلاقات الدولية؟! ولماذا تتخلف بلادهم، في حين تتقدم دول لا تملك مقدرات طبيعية كالتي يملكونها؟!