يقول الفقهاء: لا صغيرة مع الإصرار، ولا كبيرة مع الاستغفار. ويقول الحكماء: من يجرب المجرب عقله مخرب. ويقول أهل الميزان: الخطأ أدنى من الخطيئة، والجرم أدنى من الجريمة. ويقول أهل السياسة: ما جرى أمس من عودة السلطة إلى التنسيق الأمني العلني مع الاحتلال هو كبيرة، وخطيئة وجريمة، ويقولون فيها: هي جريمة لا تغتفر لأنها تقوم على الإصرار.
كل الفصائل الفلسطينية أدانت أمس عودة السلطة إلى جريمة التنسيق الأمني والتخابر مع العدو المحتل: ومن الفصائل التي أدانت: حماس والجهاد والشعبية والديمقراطية والقيادة العامة والمبادرة الوطنية، وتيار فتح الإصلاحي، وسكتت فتح، وفدا فقط، وجميع من أدانوا هذه العودة قالوا إن عمل محمود عباس وفتح هذا يعطي مبررًا للعرب الذين غادروا المبادرة العربية وطبعوا مع (إسرائيل)، وكأن في ذلك مباركة من عباس لهذا التطبيع، وقالوا إن هذه العودة تصفع المصالحة الوطنية على وجهها، وتستبقي الانقسام دهرًا، وقالوا قيادة السلطة وفتح لم يستفيدوا من تجارب الماضي، وقرروا العودة لأحضان نتنياهو حتى قبل أن يدخل بايدن البيت الأبيض، وقبل أن يتراجع نتنياهو عن مشروع ضم أراضٍ من الضفة للسيادة الإسرائيلية؟! أي أن العودة تمت بلا ثمن؟!
كل قادة الفصائل يسألون فتح عن ثمن هذه العودة؟! ويسألونها عن المصالح الفلسطينية التي يمكن أن تتحقق بهذه العودة؟! هل كانت هذه العودة انتصارا حقيقيا للسياسة التي يقودها عباس كما يزعم حسين الشيخ، الشخصية الأقرب للمخابرات الصهيونية؟! أين هو النصر؟! وما علامته التي يمكن أن نعرفه بها؟!
هل تعبر الفصائل في موقفها عن روح الشعب واختياره، أم أن العائدين للشابك هم الذين يعبرون عن روح الشعب واختياره؟! هل نحن في حاجة لاستبانة قياس رأي، أم تكفي الإجابة بعد هذه الفصائل وتقدير نسبها التي يمكن أن تتجاوز ثلثي أصوات الناخبين. الشعب يريد وطنًا حرًّا، وقيادة حرة، وحياة تسكنها الوطنية، ولا يريد تخابرًا مع العدو، ولا يريد تنسيقا مع الشاباك، ويريد انتخابات حرة نزيهة يرجو من خلالها التغيير.
يا شعب فلسطين، أقولها بصراحة، للأسف لا انتخابات قريبة، ولا مصالحة قريبة، وبايدن أقرب لعباس من هنية ومن كل قادة الفصائل والمستقلين، ونتنياهو يقرر في الملف الفلسطيني أكثر من الشعب الفلسطيني نفسه، وقادة العرب الذين قاموا بالتطبيع مؤخرا ساروا فيه على منهج عباس وفتح، وليس على منهج دحلان وحده كما تزعم حاشية عباس.
التنسيق الأمني الاستخباري قاسم مشترك بين تل أبيب والبيت الأبيض من ناحية، وبين عواصم عربية معروفة، في مقدمتها وريادتها السلطة الفلسطينية. نعم، من كان مطلوبا للأمن في تل أبيب هو مطلوب للأمن في رام الله وفي عواصم العرب الأخرى كما تعرفونها. جهاز الكمبيوتر الماستر واحد، وهو في البيت الأبيض، حيث يحج الأمن ويعتمر هنالك على طريق أهل الشرك والجاهلية ليعود من هناك سوطا ورصاصة في قلب الحرية والأحرار؟! والقدس لنا لا للظلمة؟!