تواجه بلديات قطاع غزة أزمات مالية تهدد قدرتها على الاستمرار في تقديم خدماتها، فمن شمال القطاع إلى جنوبه، تصطدم البلديات بصعوبة تحصيل الإيرادات من المواطنين منذ عدة سنوات، في حين فاقمت جائحة كورونا الوضع وأوصلته إلى واقع مؤلم.
فالديون المتراكمة على المواطنين للبلديات تقدر بمئات ملايين الشواقل، كما أن الديون المتراكمة على البلديات نفسها كثيرة بحيث إن استمرار الأزمة دون حل سريع يجعلها مهددة بالتوقف عن العمل أو تقديم الحد الأدنى من الخدمات الضرورية والأساسية التي تمس حياة المواطنين بشكل يومي.
مسؤول دائرة العلاقات العامة في بلدية غزة، م. حسين عودة، أوضح أن البلدية بدأت تواجه أزمات مالية منذ عام 2017، وتفاقمت مع بداية جائحة كورونا، حيث أصبحت أولويات المواطنين تتجه إلى أمور ليس منها سداد فواتير البلديات.
وقال عودة لصحيفة "فلسطين"، إن هذا الأمر أثر في إيرادات البلدية التي كانت قبل الجائحة تصل إلى 14%، لكنها بعد الجائحة أصبحت لا تزيد على 8%، وهذا لا يلبي احتياج البلدية بالحد الأدنى، وهو ما أثر في قدرة البلدية حتى على دفع رواتب موظفيها.
وأضاف عودة أن موظفي البلدية منذ ثلاث سنوات لم يستلموا رواتبهم كاملة، بل كانت عبارة عن سلف مالية، لافتًا إلى أن هذا الحال استمر حتى شهر مارس الماضي عندما بدأ الوضع في القطاع يتفاقم بسبب الجائحة.
وبين أن تغير أولويات المواطنين بسبب جائحة كورونا كان السبب الرئيس في قلة إيرادات البلدية رغم أن عملها زاد خلال الجائحة، ما زاد الأعباء عليها وفاقم المصاريف التي تتكبدها.
ديون متراكمة
وذكر أن الديون المتراكمة على البلدية وصلت إلى 300 مليون شيقل، في حين أن البلدية لديها ديون متراكمة على المواطنين وصلت إلى 700 مليون شيقل، مؤكدًا أن هذه الأرقام تعكس أزمة قوية وشديدة تفرض على الجميع التكاتف والوقوف إلى جانب البلدية للاستمرار في عملها.
وأشار إلى أن هناك جهات عديدة يمكن أن تقف إلى جانب البلدية أولها المواطن المقتدر الذي يمكن أن يساهم في دفع أموال بسيطة كأجر لخدمات عديدة تقدمها البلدية، وكذلك جهات حكومية تقدم لها البلدية خدمات عديدة وعليها ديون لها، وكذلك المؤسسات العاملة في المجتمع خاصة المؤسسات الدولية التي يجب أن تضع الخدمات المقدمة من البلدية بعين الاعتبار.
وحذر عودة من أن استمرار الأزمة المالية يمكن أن يؤثر في الخدمات التي تقوم بها البلدية والتي لا تزال مستمرة بتقديمها دون أي تقصير، لافتًا إلى أن توقف خدمات الصرف الصحي من نظافة ومياه وجمع نفايات وغيرها من الخدمات ستكون له آثار وخيمة على المجتمع.
من جانبه، أوضح مدير العلاقات العامة في بلدية بيت حانون شمال القطاع، ياسين أبو عودة أن جائحة كورونا من الأسباب الرئيسة التي زادت من الأزمة المالية التي تواجه البلدية في هذه الفترة، حيث إن البلدية لا تستطيع إجبار المواطنين على دفع ثمن الخدمات المقدمة لهم في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمرون بها.
وقال أبو عودة لـ"فلسطين" إن البلدية تعتمد أساسًا على الجباية من الخدمات التي تقدمها للمواطنين مثل المياه والصرف الصحي والتنظيف، لكن في ظل الجائحة وإغلاق المنشآت وتوقف أعمال المواطنين أصبح صعبًا عليهم دفع الأموال.
وأضاف أن هذا الأمر انعكس على قدرة البلدية على دفع رواتب موظفيها منذ مارس الماضي، وازدادت الأزمة خلال أغسطس، ما زاد الأمور تعقيدًا، لافتًا إلى أن البلدية تعاني ديونًا متراكمة تقدر بـ14 مليون شيقل.
وتابع أبو عودة أن للبلدية ديونًا على المواطنين وصلت إلى 34 مليون شيقل، مشيرًا إلى أن نسبة التحصيل من هذه الديون لا تتجاوز 1%، خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة.
وأكد أن استمرار الوضع الحالي وتراكم الديون على البلديات سيجعلها غير قادرة على تقديم الخدمات للمواطنين بشكل مستمر كما يحصل في الفترة الحالية.
فقدان الدعم الخارجي
وأكد المدير المالي في بلدية النصيرات بالمحافظة الوسطى، محمد منصور، أن البلدية منذ مطلع العام الجاري واجهت أزمتين شديدتين أولاهما حريق النصيرات الذي أصاب محلات عديدة في السوق الرئيس بخسائر قدرت بالملايين، تلتها جائحة كورونا في الشهر ذاته.
وأوضح منصور لـ"فلسطين" أن هاتين الأزمتين سببتا أزمة مالية شديدة على البلدية أدت إلى تراكم الديون المستحقة لها وعليها، وضعف صرف رواتب الموظفين خاصة في ظل الوضع الاقتصادي السيئ للمواطنين وعدم وجود أي دعم خارجي يصل للبلديات في القطاع.
وقال منصور إنه في ظل الجائحة أصبح المواطن غير قادر على سداد فاتورة المياه والنظافة والصرف الصحي، وهو ما تزامن مع زيادة استهلاك البلدية للسولار لتشغيل محطات الصرف الصحي وآليات جمع النفايات والتعقيم.
وأضاف أن كل هذه المصاريف جعلت صندوق الجباية في البلدية يصل إلى "صفر" لعدة شهور، وهو ما دفع البلدية للاستدانة من أكثر من جهة للاستمرار في تقديم خدماتها وسداد جزء من رواتب موظفيها.
وأشار منصور إلى أن هناك ديونًا متراكمة على البلدية وصلت إلى 62 مليون شيقل لأكثر من جهة كانت تستدين منها لتستمر في تقديم خدماتها الأساسية، مؤكدًا أن خدمات البلدية ستتأثر في ظل عدم وجود أي حلول للأزمة المالية التي تمر بها.