شنت "إسرائيل" فجر يوم 15 نوفمبر الجاري، الذي يوافق الذكرى 32 لإعلان الاستقلال الفلسطيني، غارات حربية على قطاع غزة؛ ردًّا على إطلاق صاروخين من القطاع صوب مدن وسط وجنوب الكيان، دون وقوع إصابات.
وفي أعقاب القصف، تداول عدد من المراسلين العسكريين الإسرائيليين سؤالًا مفاده: "هل انطلقت الصواريخ نتيجة البرق في ظل الأجواء العاصفة والماطرة في قطاع غزة؟".
حدث ذلك أول مرة في أكتوبر/ تشرين الأول 2018، حين أُطلق صاروخان من غزة، سقط أحدهما في مدينة بئر السبع وأصاب منزلًا بشكل مباشر وتسبب بدمار دون إصابات، وسقط الآخر في البحر قبالة "تل أبيب"، ورجحت أوساط عسكرية إسرائيلية في حينه أن يكون البرق سببًا في انطلاق الصواريخ.
ونشرت وسائل إعلام آنذاك أن المجلس الأمني الإسرائيلي المصغر (الكابنيت) قَبِل بهذا التفسير، حتى قال وزير إسرائيلي متهكمًا: "لم يكن من الصائب خوض حرب بسبب الطقس". فهل فعلها البرق ثانية؟
المراسل العسكري للقناة 13 العبرية "ألموغ بوكير" قال إن "توقيت إطلاق الصواريخ ليس صدفة، لكن الجيش لا يستبعد فرضية تأثير الطقس على الحدث"، في حين قال المراسل العسكري لصحيفة يديعوت أحرونوت "يوآف زيتون" إنه "تم إطلاق صاروخين الليلة من غزة بفاصل 20 دقيقة.. الصياغة غامضة بعض الشيء".
مسلسل التهكم على الحدث استمر دون توقف من الإسرائيليين الذين هاجموا سياسة حكومتهم تجاه غزة، وبرز منهم رئيس أركان جيش الاحتلال السابق "موشي يعلون" الذي كتب تغريدة قال فيها: "البرق؟! هذه مجرد كذبة"، ورافقه رئيس الشاباك السابق عضو الكنيست "آفي ديختر" الذي قال: "في كل عام عندما يبدأ الشتاء، تخرج الحماقة الكاذبة أن الصواريخ من غزة تطير نحو "إسرائيل" بسبب البرق.. البرق في السماء يخجل من اتهاماتكم له".
بمعزل عن ظروف ودوافع إطلاق القذائف الصاروخية، والجهة التي تقف خلفها، لكن الاحتماء بالسماء في تكتيكات المعركة مع العدو هي فكرة تدخل في إطار خدع الحرب أو المناورة التي تظهر أهميتها في تأثيرها على الأوساط الداخلية الإسرائيلية، ونبش الخلاف وكَيْل التهم ضد القيادة الحالية، وإطلاق الألسنة واتهامات الضعف نحوها؛ نتيجة هذه المضايقات التي لا تجعل الجيش يستريح.
وهذا التكتيك هو بذات القيمة التي تحرص فيه "إسرائيل" على الاعتماد على المزايا الطبيعية في أي معركة، وهو يضيف تصنيفًا آخر لجغرافية قطاع غزة بأنها أراضٍ محفوفة بالمخاطر، وليست مجرد أرض مفتوحة أو سهولٍ يمكن العبور إليها بسهولة، بل أرض خصبة بالحديد لا نجاة منها، وتسرق الحضور السياسي لقيادة عدوها، في الوقت الذي يعمل فيه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بجدٍّ على جمع أوراق القوة وتأكيد الزعامة، مع احتمالية قرب الانتخابات الداخلية الإسرائيلية التي قد تجري في ربيع العام المقبل، وفق وزير جيش الاحتلال "بيني غانتس" الذي قال في أحاديث مغلقة مع قادة من حزبه، نقلتها القناة 12 العبرية، إنه لا مناص من ذلك "بعدما أخذ نتنياهو الدولة ثلاث سنوات كرهينة".
أشاع هذا التكتيك أيضًا أجواء النكتة حول القيادة السياسية الإسرائيلية، كأن تقول صحيفة يديعوت ساخرة "إذا صدقنا أن البرق تسبب في إطلاق صاروخين.. تخيلوا معنا ماذا سيجري لو حدث زلزال هنا؟" أو قول صحفي إسرائيلي آخر: "أقترح أن تشن إسرائيل عملية ضد البرق في غزة".
القصف المتبادل بين وقت وآخر هو ثمن عدم التوصل إلى اتفاق تهدئة طويل الأمد، تسعى له المقاومة الفلسطينية ولا تمانعه، من أجل أن يضع نهاية لأطول حصار في القرن الحادي والعشرين، وهي صيغة ترفضها "إسرائيل" قبل أن تتخلى المقاومة عن سلاحها وتطلق سراح الجنود الأسرى لديها، وهذا يعني أن "إسرائيل" ستكون مضطرة في كل شتاء لسماع صوت المطر وهبوط الصواريخ، وأن تحمل المظلة لكليهما.