فلسطين أون لاين

من ملامح الشخصية السوية.. علاقة وثيقة بين التسامح والسعادة

...
غزة/ هدى الدلو:

لم يجد الغزي أحمد المقيد (33 عامًا) في اليوم الدولي للتسامح الذي حل في 16 نوفمبر/ تشرين الثاني رسالة يعبر بها عن هذه المناسبة أبلغ من الدعوة إلى الصفح، مستشهدًا بقول الله تعالى: "فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ" (الحجر:85).

فكيف ينظر الغزيون إلى التسامح؟ وما وجهات نظرهم تجاه تطبيقه في حياتهم اليومية بما يعود على المجتمع بالنفع؟

يقول المقيد لصحيفة "فلسطين": "إن التسامح خُلق عظيم، صعب أن يتحلى به جميع الناس، لأن في ثناياه قهرًا للنفس أحيانًا، ولكن أصحاب هذا الخلق يعضون على جراحهم من أجل هدف أسمى وهو مرضاة الله والضمير".

ويصف قدرته الشخصية على ممارسة التسامح بأنها جيدة، ويتنازل كثيرًا لأجل الصلح والخير، وبنفس الوقت "لا يرضى بالإهانة، فالتسامح لا يعني قبول الدونية"، كما يقول.

ويشير المقيد إلى أنها كثيرة هي المواقف التي مارس فيها التسامح سواء على مستوى الأسرة أو العمل أو الشارع، وبالمقابل "هناك الكثير ممن مارسوه اتجاهي لأنه بالمختصر بشر نخطئ ونصيب".

أما الشابة العشرينية دينا أحمد فمن منظورها التسامح صفة وخلق جميل، يحتاج لقلب طيب وروح متفهمة وتستطيع تجاوز المواقف على اختلافها، لافتة إلى أنه ليس من السهل التحلي فيه لأن الحياة بمواقفها الصعبة ممكن تجعل الإنسان صلبا وصعبا.

وتتابع دينا: "مفهوم التسامح لدى الشخص يتغير بسبب هذه التجارب فقد يصبح من الصعب عليه أن يسامح غيره، لأنه بلحظة ما قد يشعر أنه ضعيف الشخصية ولا يستطيع المواجهة".

والموقف هو الحاكم، فبعضها تستطيع دينا فيها أن تسامح من أخطأ بحقها، ولكن هناك مواقف وظروف تجبر الإنسان على عدم المسامحة عليها، الأمر غير محسوم بل يتعلق بالظرف والموقف والإنسان الذي يتعامل معه.

وتتمنى أن يكون لديها القدرة على المسامحة ونسيان الأذية، حتى تعيش بسلام، "لأنه فعلًا عدم المسامحة وعدم النسيان تجعل الإنسان في حالة صعبة تؤذيه جدًّا"، وفق تعبيرها.

أما الشاب إياد الحجار (32 عامًا) حاصل على بكالوريوس في الهندسة، فيبين أنه إذا كان يملك رسالة في يوم التسامح، فهي بكل بساطة "لا تنام قبل أن تسامح وتغفر، كلنا نخطئ ونصيب، ومن الصواب التسامح والمغفرة فيما بيننا".

ويتلخص مفهومه عن التسامح في العفو والمغفرة وفتح صفحة جديدة بيضاء لبناء علاقة جديدة مع طي صفحة الماضي، "جميل فكرة التسامح وتوفير فرص جديدة وسد خلافات الماضي، بغض النظر أكانت من قريب أم غريب فهي خصلة في قمة الروعة".

والشابة بدور شعشاعة من جهتها تعد التسامح من أجمل الصفات التي يمكن أن يتحلى فيها الإنسان، ويمثل لها الكثير حيث العفو عند المقدرة، ورد الإساءة برسالة إيجابية، كما أن المسلمين أولى الناس به لكونه خلق نبيهم صلى الله عليه وسلم.

بدور تقول لصحيفة "فلسطين": "لا أحد يأخذ معه شيء من الدنيا، فلماذا نحقد على بعضنا؟ فتحلَّ بهذا الخلق قدر استطاعتك، حتى لو تأذيت فله آثار إيجابية على الشخصية".

وفي حياتها ترى طبيعة شخصيتها متسامحة حتى لو تلقت أذية من أحد، فقد تأخذ منه موقفًا ولكنها تعفو، "وفي العام الماضي مررت بتغير كبير في حياتي بسبب القصص التي صدمتني من ناس، لكن لم تجعلني أحمل عليهم بل تعاملت معهم واستمرت علاقتي بهم"، تواصل حديثها.

"ضرورة مجتمعية"

بدوره، يوضح اختصاصي الصحة النفسية محمد الكرد أن التسامح يعني الاحترام والقبول والتقدير للتنوع الثري لثقافات العالم ولأشكال التعبير وللصفات الإنسانية.

وفي حديث مع صحيفة "فلسطين"، يقول الكرد عن التسامح من رؤية نفسية: "عالمنا اليوم في أشد الحاجة للتسامح الفعال والتعايش الإيجابي بين الناس أكثر من أي وقت مضى، نظرًا لكثرة الحضارات التي ما زالت تزداد يومًا بعد يوم، بفضل ثورة المعلومات والاتصالات والتكنولوجيا التي أزالت الحواجز الزمانية والمكانية بين الأمم والشعوب، ما أدى إلى التفاؤل بين الأفراد المختلفين بيئيًّا وثقافيًّا واجتماعيًّا ودينيًّا، وهذا التفاؤل يحتاج إلى التسامح كمطلب رئيس بين الأفراد".

ويذكر أن العالم جامبو لسكي يرى أن التسامح يتيح الفرصة لاختبار النضج والانسجام مع كل ما في الحياة.

ويوضح أن التسامح ضرورة مجتمعية، ويستند إلى فكرة أن الآراء المختلفة يمكن أن تتعايش مع بعضها بعضًا بغض النظر عن صحتها.

وقد أدرك علماء النفس حديثًا أهمية الرضا عن النفس والحياة في علاج الكثير من الاضطرابات النفسية، مشيرًا إلى أن بعض الدراسات تبين أن هناك علاقة وثيقة بين التسامح والعفو من جهة، والسعادة والرضا من جهة أخرى.

ويضيف علماء الصحة النفسية من خلال دراستهم الميدانية أن للتسامح مفعولًا إيجابيًّا على الصحة النفسية للإنسان، لكونه يعد من أقوى أساليب العلاج لما يسمى بالأمراض النفسجسمية التي هي أمراض عضوية تعود لأسباب نفسية.

ويلفت إلى أنه يتيح قبول وتقدير الآخر المختلف، والإقرار له باحترام حقه في التعبير عن آرائه وافكاره ومشاعره.

ويختم الكرد بأن التسامح من ملامح الشخصية السوية التي تملك نظرة إيجابية في الحياة، أما الشخصيات التي تعاني اضطرابًا كالشخصية السيكوباتية فهي لا تعرف الحب والرحمة والتسامح، ولذلك ترى صاحبها مخادعًا ومحتالًا ولا يحترم القوانين والأعراف والتقاليد.