ذكرى إعلان الاستقلال تتزامن مع ذكرى وفاة ياسر عرفات واغتيال الجعبري، وكذلك ذكرى اغتيال أبو العطا، ويرحل صائب عريقات في الأيام نفسها بعد إصابته بفيروس كورونا.
إعلان الاستقلال صدر في الجزائر عن المجلس الوطني الفلسطيني عام 1988م، وكانت الانتفاضة الفلسطينية الأولى في أوجها، لم يمضِ عليها عام من عمرها الذي استمر لسبع سنوات، أما ياسر عرفات فمات مسموما بعد مسيرة حافلة بين العمل العسكري والسياسي، وما زال لغز موته سرا مكنونا لم يكشف ستره حتى الآن، وإن كانت أصابع الاتهام تشير إلى تورط الاحتلال شريك أبي عمار في مشروع التسوية بالتواطؤ طبعا مع بعض رفاق دربه الذين خانوا "إخوة النضال" ، والجعبري استشهد عام 2012م إثر قصف سيارته من طائرات الاحتلال، وقد أشعل استشهاده حربا قصفت فيها تل أبيب لأول مرة في تاريخ الصراع العربي الصهيوني، بهاء أبو العطا استشهد إثر قصف منزله وأدى استشهاده الى تصعيد استمر عدة أيام.
صائب عريقات مسؤول ملف المفاوضات مع الاحتلال وعضو أول وفد مفاوض، وكان وقتها وفد فلسطيني أردني مشترك يرأس الأعضاء الفلسطينيين منهم الراحل حيدر عبد الشافي أحد المناضلين الفلسطينيين القدامى، وذلك لعدم اعتراف الاحتلال بالشعب الفلسطيني في تلك المرحلة، رحل صائب عريقات إثر إصابته بفايروس كورونا عام 2020م وهو يعالج في مستشفى " إسرائيلي".
في عام 1988 عندما أعلن الاستقلال من قصر الصنوبر في الجزائر، لم يدر بخلد الذين اجتمعوا من قادة الفصائل الفلسطينية أن الشعب الفلسطيني أو " طائفة " منه سيستمرون بالاحتفال بالذكرى لمدة اثنين وثلاثين عاما دون أن يتحقق الاستقلال واقعا على الأرض، ولم يدر بخلدهم أيضا أنهم سيجتمعون أو من تبقى منهم على قيد الحياة في العام 2020م بعد اثنين وثلاثين عاما ليتفقوا على البدء بخطوات عملية لإنهاء الانقسام المستمر منذ ثلاثة عشر عاما.
منذ اثنين وثلاثين عاما ما زالت المقاومة مستمرة ضد الاحتلال على اختلاف اشكالها وتنوع اساليبها، وكذلك ما زالت المفاوضات السلمية مستمرة، وقد تغير على رئاسة وزراء الاحتلال ثمانية رؤساء وزراء منذ إسحاق شامير ومروراً بكل من رابين وبيرس وباراك وشارون وأولمرت وأخيرا نتنياهو، كلهم اعتبروا حق الشعب الفلسطيني في المقاومة إرهابا وماطلوا من تفاوض معهم حد السخرية والعبثية، وجعلوا المفاوضات كالسراب الذي يحسبه الظمآن ماء.
أفل نجم الرعيل الأول الذين بدؤوا مشروع السلام، مات رابين ورحل عرفات ورحل حيدر عبد الشافي ورحل صائب عريقات وما زال مشروع السلام مستمرا، رحل أحمد ياسين ورحل الرنتيسي والمقادمة والجعبري وأبو العطا وما زال مشروع المقاومة مستمرا.
فهل نعيش حالة عبثية وكأننا فرسا رهان لا يسبق أحدهما الاخر في مضمار سباق لا نهاية له، أليس حريا بنا أن نتوقف للحظة واحدة أجل للحظة واحدة فقط لنلتفت للخلف، للنظر ما الذي خلفناه وراءنا وكم هي المسافة التي قطعناها بلا جدوى ودون ان نكذب على أنفسنا بإنجازات وهمية حصيلتها الوطنية تساوي صفرا.
الا يجدر بنا أن ننظر لبعضنا دون عتاب لنتوقف عن هذا السباق المجنون الذي أنهك قوانا دون طائل.
اليس الأولى بنا كفلسطينيين أن نوحد آمالنا وتطلعاتنا وأن يكون لنا هدف واقعي متفق عليه تتضافر كل الجهود لتحقيقه، ألم ندرك طوال تلك الفترة أننا ضائعون في متاهة مصطنعة لا يراد لنا ان نخرج منها؟؟
الا يرعبنا مجرد تصور أن أحفادنا يجتمعون بعد اثنين وثلاثين عاما أخرى ليتفقوا على خطوات عمل مشتركة لإنهاء الاحتلال؟
أذكر أنه في تسعينيات القرن الماضي حدثت ثورة في أحد أقاليم اندونيسيا يدعى تيمور الشرقية، واستمرت حتى نال ذاك الإقليم استقلاله، بعد أن دعمت القوى الكبرى العالمية استقلال الإقليم ضد إندونيسيا، وفي مقابلة مع زعيم الإقليم بعد الاستقلال أذكر انه قال جملة لن أنساها في حياتي لقد قال" لقد الهمتنا الانتفاضة الفلسطينية فانطلقت ثورتنا لنيل الاستقلال"، مضى أكثر من عشرين عاما على استقلال تيمور الشرقية التي الهمت ثوارها الانتفاضة الفلسطينية ولم ينل الشعب الفلسطيني حريته، لم يلهم نضال الشعب الفلسطيني الذين ثاروا في تيمور الشرقية فقط، بل ألهم كل أحرار وثوار العالم، صحيح أن قوى البغي العالمي وقفت بكل قوة ضد حرية شعبنا واصطفت الى جانب العدو الصهيوني دونما اعتبار لكل القيم التي تتمسح بها، ولكن لا نبرِّئ أنفسنا من بعض ما آل اليه مستقبل شعبنا الذي هان على أقرب المقربين لنا، وذلك لتنافرنا نحن واستعداء بعضنا بعضا حتى اتخذ كل من ضعفت نفسه من خلافنا مبررا لنفسه ليطعننا في ظهورنا مدعيا انه يسعى إلى نصرتنا ويطلب حقنا.
بعد مضي اثنين وثلاثين عاما لم يتحقق فيه استقلالنا حرام علينا ان نُبقي حالة الضياع والتيه قائمة، وإلا فربما يصبح ضياعنا أشبه بضياع الاندلس التي كتبت في ذاكرة التاريخ الحديث أنها إسبانيا، وتعايشنا مع ذلك نحن العرب والمسلمين، ولم تهزنا معالم نهضتنا وحضارتنا هناك التي أصبحت مجرد آثار لعرب كرام مروا في زمن غابر من هناك.