كان أبو محمد أحمد الجعبري رحمه الله قائدًا فذًّا بين قادة كتائب القسام. كان عند استشهاده يشغل منصب قائد الأركان. وكان اغتياله قبل ثماني سنوات في ١٤ نوفمبر ٢٠١٢م بداية معركة ضروس استمرت ثمانية أيام، وقد عرفت فلسطينيًّا بحجارة السجيل، وقد جاءت التسمية موافقة للهجمات الصاروخية بعيدة المدى التي وصلت تل أبيب والقدس، وكانت تتساقط على مواقع العدو بغزاة تساقط حجارة السجيل، ولعلها كانت مسوَّمة بشكل أو آخر تيمنًا بحجارة السجيل التي نزلت مسومة على جيش أبرهة عندما أراد أن يهدم الكعبة الحرام.
أبرهة الكافر أراد أن يهدم المكان الحرام المقدس، وجيش العدو الصهيوني الظالم كان في حرب حجارة السجيل يهدف لهدم المكين. أي يستهدف قتل الإنسان الفلسطيني، على المستوى البدني والمعنوي. نعم هدمت صواريخه وقنابله العديد من المباني، ولكنها كانت تستهدف بالدرجة الأولى قتل المقاوم والمجاهد الفلسطيني، تستهدف قتله ماديا وقتله معنويا، لحمله على الاستسلام وفرض معادلات عسكرية وأمنية جديدة عليه.
أدرك قادة القسام وحماس أهداف العدو المادية والمعنوية، وقرروا حرمانه من تحقيق أهدافه، فلم يسكت القسام على اغتيال الجعبري ساعة من نهار كما كان يظن قادة العدو، في تحليلاته لبيئة غزة والبيئة العربية وبالذات المصرية، وحين رفعت القيادة المصرية صوتها قائلة لن نقف مكتوفي الأيدي وغزة تتعرض للقصف الغاشم، قرر قادة العدو الإسراع في وقف إطلاق النار، الذي استمر ثمانية أيام فقط، في حين استمرت الحرب التي سبقتها والتي لحقتها مُدد أطول بكثير.
كان الجعبري قائد ذكيا، ورجل ميدان عمليًّا، وكان شجاعا يطلب الشهادة ولا يخاف الاغتيال، وكان يعلم مسبقا أنه سيدفع يوما ثمن صورته الخالدة وهو يمسك بذراع شاليط في عملية تبادل أسرى كانت مشرفة لحماس بكل المقاييس. هذه الصورة التي مرغت كبرياء نتنياهو وقادة الأركان في التراب، وجعلتهم يقررون الاغتيال انتقاما من هذه الجرأة التي أبداها الجعبري بكل عزة المؤمن الذي يعتز بدينه، ولا يهاب قدره.
لم يكن الجعبري رحمه الله قائدا عاديا، ومن عاشره وعمل معه يقولون إنه رجل غير عادي، لأن كاريزما الرجل العملية فاقت رجل الثقافة والفكر، مع أنه كان يستشير أصحاب الفكر، وقد تطورت القسام في عهده تطورا كبيرا، وما زالت صورته محفورة في أذهان من خدموا معه، وكانوا قريبين منه. كان متواضعا لا يحب الشهرة والظهور، وقد أحسنت القسام له ولنا حين قررت الانتقام له على الفور، دون تردد ولا تسويف، وأحسب أنها تمكنت بعملها هذا من وضع نهاية لعمليات الاغتيال، وأبلغت العدو برسالة التكلفة العالية إذا ما أقدم على حماقة مماثلة. رحم الله الجعبري ورحم كل شهداء حرب حجارة السجيل.