في عام ١٩٨٨م وفي الجزائر العاصمة أعلن ياسر عرفات استقلال دولة فلسطين، وقرأ وثيقة إعلان الاستقلال التي كتبها الشاعر الراحل محمود درويش بلغة أدبية يكسوها خيال أدبي مستهدف لإخفاء حقيقة المقصود من الوثيقة.
منذ ذلك التاريخ قبل أربعة عقود دأبت حركة فتح ومنظمة التحرير على الاحتفال بهذا اليوم باعتباره عيدًا وطنيًّا ذا مغزى. وأمس تعطلت المدارس والجامعات والمؤسسات الحكومية، احتفاء بيوم الاستقلال الوطني.
مفهوم كلمة الاستقلال يعني أن الوطن تحرر من الاحتلال، ويستقل عنه، ويعود لحكم قادته الوطنيين. كان عرفات في تلك الفترة قائدًا وطنيًّا ولكنه لم يحكم وطنًا حرًّا مستقلًّا، ومنذ ذلك التاريخ، وفلسطين (أعني الضفة والقدس، وغزة) ترفل تحت الاحتلال الصهيوني، وتقطع أوصالها المستوطنات الصهيونية، ولم يستطع عرفات ولا من جاء بعده أن يجسدا معالم الدولة ومقوماتها، وكل ما وصلا إليه هو سلطة حكم ذاتي تحت الاحتلال، دون أن يعترف الاحتلال بالأرض على أنها فلسطينية؟!
كانت وثيقة الاستقلال تعالج بطريقة خفية، وتحت ظلال الخيال مشكِّلة حق عودة اللاجئين إلى مدنهم وقراهم التي هجروا منها، بحيث تذهب المعالجة لإرضاء الإسرائيلي ونزع تخوفاتها من قضية حق العودة، وتسمح بالاعتراف المتبادل وبحل توافقي، دون إعلان صريح بتخلي المنظمة وعرفات عن فلسطين التاريخية، وعن حق عودة اللاجئين لمدنهم وقراهم، حيث أكدت الوثيقة بحق الفلسطيني (بالعودة إلى دولة فلسطين، لا إلى أرض فلسطين، أو إلى مدينته وقريته)، وقد التقطت إسرائيل هذه الرسالة المهمة بما فيها من تنازل صخم، وإن غطاها الخيال الأدبي وغطتها حرارة كلمة الاستقلال.
بعد هذا الإعلان بدأت فكرة المفاوضات الخفية ومن خلال الوسطاء بين المنظمة (وإسرائيل)، والتي تمخضت أخيرًا عن اتفاقية أوسلو وقيام السلطة الفلسطينية، على أجزاء محدودة من الضفة وغزة دون القدس ودون حل لقضية عودة اللاجئين؟!
في عام ١٩٨٨م لم يكن ثمة استقلال حقيقي، بدليل أن عرفات، وعباس كانا وما زال الأخير منهما يبحث عن حل الدولتين، أي عن قيام دولة فلسطينية، فكيف يكون ثمة استقال ولا تكون دولة؟! وثيقة الاستقلال وضعت العربة أمام الحصان، فالاستقلال يتبع قيام الدولة، والسلطة تتبع زوال الاحتلال، وهذا لم يحدث؟! وما زلنا تحت الاحتلال، وما زلنا بلا دولة وبلا اعتراف من الدول المهمة والمؤثرة بدولتنا التي على الورق.
دولتنا على الورق لم يسبق إليها أحد، ولم يلحق بها أحد من البشر في العالم؟! ونحن نحتفل بها تيمنًا أن تكون لنا دولة على الجغرافيا ذات سيادة وذات مغزى، وهذا ما زال أملًا بعيدًا، وحلمًا لم يتحقق، وجُل الفلسطينيين يعلمون هذا ويعيشونه، ولكنهم يسايرون قادة المنظمة والسلطة، لكي يعيشوا يومًا من الأمل، حتى ولو كان خارجًا من عباءة الواقع المرِّ الرازح تحت الاحتلال. ولكن الواقعيين لا يحتفلون بما هو خيال، وربما يسخرون من المحتفلين؟!