سارع الحكيم مشرف الأخرسي، لتشغيل جهاز تنفس اصطناعي لأحد المواليد، لإمداده بالأكسجين في حضانة مجمع الشفاء الطبي، بعد انقطاع التيار الكهربائي؛ تلك الأزمة التي يرزح الجميع تحت وطأتها في قطاع غزة.
ولم يكن الحكيم الوحيد الذي قام بذلك، بل توزع طاقم من زملائه على عدد من أسرة الحضانة التي امتلأت بأطفال هم بأمس الحاجة إلى التواجد في هكذا مكان.
يقول الأخرسي: لدينا حالات صعبة جدًا بجاجة إلى أجواء خاصة واهتمام ورعاية".
ولا يسمع الداخل لحضانة الأطفال في مجمع الشفاء (أكبر مستشفيات قطاع غزة)، سوى أصوات الأسرة الطبية، التي تصدر طنينًا خاصًا فور انقطاع الكهرباء متعارفاً عليه لدى الأطباء.
وبدأ الحكيم إعادة تشغيل جهاز تنظيم المحلول بعد أن فصل بفعل انقطاع الكهرباء، قبل أن يضيف لـ"فلسطين: كما ترى. نعيد هذه الكرة عدة مرات يوميًا، لا يستطيع أي طبيب أو حكيم التأخر على هؤلاء المواليد؛ فهم لا يحتملون.
وكانت الجدة فاطمة مطر، تفرك يديها ببعض من شدة القلق بعد أن تعالت أصوات الأجهزة الطبية إثر انقطاع الكهرباء، وهي تقف أمام بوابة الحضانة استعدادًا لزيارة حفيدها المولود منذ ثلاثة أيام فقط.
دلفت مطر البالغة من العمر ( 65 عامًا) بهدوء وتسمرت أمام حفيدها ذلك الذي ولد سبعاويًا وكان لزامًا وضعه في سرير "إنعاش" داخل الحاضنة، وبدأت تتأمل ذلك الصغير "عمر".
تقول لـ"فلسطين" وهوي واقفة بجانبه: حتى المواليد باتت حياتهم مهددة بسبب الكهرباء. وهبه الله لابنتي بعد 3 أعوام من انجابها 3 أبناء. وأخشى عليه من أي مكروه".
ولا تدوم زيارة الجدة سوى دقائق معدودة لحفيدها، فابنتها تخضع هي الأخرى للعلاج في الشفاء بعدما أجرت عملية قيصرية لولادة عمر، ودائمًا ما تتنقل بينهما للاطمئنان على حالتهما الصحية.
وتكرر هذه المشاهد ليس في مجمع الشفاء الطبي فحسب، بل في مختلف الأقسام الطبية في مستشفيات قطاع غزة المحاصر.
ولا تقتصر معاناة المرضى من انقطاع الكهرباء على المواليد فقط، بل تطال أصحاب الحالات الصحية الصعبة في جميع الأقسام، فليس بإمكان المرضى الخاضعين للعلاج في أقسام العنايات المركزة الاستغناء عن الكهرباء للحظة واحدة، وقس على ذلك بالنسبة لآلاف المرضى على مستوى غزة.
ويبلغ عدد الأسرة في حضانة الشفاء 16 سريرًا لا تتناسب طرديًا مع عدد المواليد الكبير في غزة، بحسب مدير قسم الحضانة الدكتور علام أبو حامدة.
وأضاف د. أبو حامدة لـ"فلسطين": إن الحضانة تعتمد بشكل أساس على التيار الكهربائي، وكل الأجهزة الطبية داخل الحضانة الكبرى في فلسطين وليس بغزة فحسب، بحاجة إلى كهرباء متواصلة وليست متقطعة، كما حاليًا.
ويؤدي انقطاع الكهرباء عن الحاضنات إلى انخفاض في درجة حرارة المولود، خاصة أصحاب الأوزان الصغيرة (700- 800 جرام)، فهم لا يحتملون هبوط الحرارة ما يسبب أعراضا خطيرة، تصل أحيانًا إلى حد الوفاة، بحسب أبو حامدة.
واعتبر توقف أجهزة التنفس الاصطناعي بفعل انقطاع الكهرباء، "أمرا كارثيا" قد يودي بحياة المواليد طالما لم يتم إمدادهم بمصدر أكسجين احتياطي.
كذلك، أجهزة التغذية (المحلول) تتوقف بانقطاع الكهرباء، وهي لا يمكن الاستغناء عنها وبحاجة لكهرباء على مدار الساعة، بحسب أبو حامدة.
وأضاف "انقطاع التيار يؤدي لإعطاب أجهزة طبية في الحضانة، وبسبب الحصار لا توجد قطع غيار، وهذا يؤثر على جودة العمل واستمراريته".