من يظن أن الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدين سوف يُحرر فلسطين، أو يعيد الحياة لجمال خاشقجي، أو يغير منطقة الشرق الأوسط، فهو بكل تأكيد واهم ومفرط في التفاؤل، فهو رئيس كغيره من الذين مرّوا على البيت الأبيض، لكن في الوقت ذاته يحق للعرب أن يفرحوا بنتائج الانتخابات الأمريكية، احتفاء بخسارة ترامب لا بفوز بايدن.
ما حدث هو أنَّ فوز بايدن أنهى السنوات العجاف لحكم ترامب، ولذلك فإن حالة الابتهاج في العالم العربي مردها إلى أن ترامب الذي لطالما تحالف مع طواغيت ومستبدي المنطقة، قد سقط، وهو الرجل الذي بدأ عهده بقرار عنصري يفرض قيوداً على مواطني ست دول مسلمة، ويحول دون دخولهم الأراضي الأمريكية، لمجرد أنهم ينتمون إلى هذه الدول أو ولدوا فيها.
واقع الحال أنَّ الولايات المتحدة ذات نظام رئاسي، ومنصب الرئيس فيها هو الأقوى مقارنة بغيره من الأنظمة السياسية في العالم، وعليه فإن لدى الرئيس في النظام السياسي الأمريكي صلاحيات كبيرة تجعل شخصيته تنعكس على السياسة العامة للبلاد، سواء في الداخل أو في الخارج، ولذلك فإن تغير الرئيس الأمريكي أمر بالغ الأهمية لمن يهتم بالحدث السياسي في العالم، فضلاً عن أنَّ الحِراك الذي يجري في واشنطن يؤثر على عالمنا العربي ومنطقة الشرق الأوسط بشكل خاص بسبب تدافع الأنظمة العربية غير المنتخبة على إرضاء الولايات المتحدة للحصول على دعمها السياسي والعسكري والأمني والاستخباراتي. وبناءً على ذلك، فإنَّ التحول الذي شهده البيت الأبيض يستحوذ بلا شك على أهمية بالغة، لكنَّ السؤال العربي المطروح منذ احتدم السباق نحو البيت الأبيض، بين الجمهوريين والديمقراطيين هو: ما الذي سيتغير بالنسبة لنا؟ وهل بايدن صديق للعرب مثلاً؟ أو سينتصر لقضاياهم؟ وماذا عن موقفه من القضية الفلسطينية وصفقة القرن والقدس وغير ذلك؟
والجواب على هذه الأسئلة يستدعي أن يضع المتابع العربي باعتباره ما يلي:
أولاً: بايدن هو رئيس الولايات المتحدة وليس رئيسا عربيا، وهو رئيس منتخب سيُنفذ بكل تأكيد السياسة التي فاز على أساسها، والبرنامج الذي طرحه للناخبين، والذي يقوم على تحقيق مصالح الأمريكيين لا العرب أو غيرهم.
ثانياً: في الملف الفلسطيني فإن ترامب هو أسوأ رئيس أمريكي يتعامل مع القضية الفلسطينية منذ 70 عاماً، وهذا لا شك فيه، والمؤكد أن بايدن وكل الحزب الديمقراطي، على الرغم من انحيازهم السابق والحالي والمستقبلي لـ"إسرائيل"، إلا أنهم ما زالوا يتمسكون بحل الدولتين، أي أنهم يرفضون «صفقة القرن» التي هي في نهاية المطاف مبادرة من ترامب وصهره تقوم على التجاهل التام للفلسطينيين، وإنكار وجودهم. وهنا فإن إدارة بايدن الجديدة ستتجاهل على الأغلب هذه المبادرة وترفع الحصار المفروض على السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير.
ثالثاً: الهرولة العربية نحو التطبيع مع "إسرائيل" خلال الشهور الماضية، كانت قرابين قدمتها الأنظمة المتحالفة مع ترامب من أجل إرضائه، وهذا التهافت العربي نحو تل أبيب، ربما يتباطأ خلال الفترة المقبلة، وإن كانت أسبابه أكثر تعقيداً من هذه البساطة، بل قد يجد المطبعون في تل أبيب بديلاً عن ترامب، وربما لجأوا إلى تل أبيب للحصول على الحماية في حال سقوط حليفهم الأساس ترامب.. لكن رغم ذلك فإن الدول التي تتجه إلى التطبيع مع "إسرائيل" ستتراجع أو تتباطأ في ذلك على الأقل خلال الفترة المقبلة.
رابعاً: في ما يتعلق بدعم الثورات المضادة وأنظمة الاستبداد العربية، التي كان ترامب مولعاً بالتحالف معها، فسوف تجد نفسها في أزمة مع واشنطن التي ستعود في ظل الادارة الجديدة الى المطالبة بمراعاة ولو الحد الأدنى من حقوق الإنسان.
خامساً: على العرب أن يتذكروا دوماً، أن مشاكلهم الداخلية لا يمكن حلها إلا بأيديهم وإرادتهم، والولايات المتحدة وإن كانت عاملاً مهماً في كل الأزمات التي تعيشها المنطقة، لكنها ليست الحاكم المباشر لهذه المنطقة، ولا اللاعب الوحيد فيها، والاعتقاد بذلك ليس سوى محاولة لاستخدام واشنطن كشماعة لتعليق أزماتنا عليها.
والخلاصة هنا، هي أنَّ على العرب عدم الافراط في التفاؤل بالتغير الذي شهدته الولايات المتحدة، لأننا أمام دولة كبرى تحكمها مؤسسات وليس أفرادا، وهذه الدولة لها مصالحها وتحالفاتها التي لا تتغير بلحظة، لكن في المقابل فإنَّ سنوات ترامب العجاف قد انتهت، والرجل الأسوأ بالنسبة لمنطقتنا قد رحل، وهذا يعني أن توحش حلفائه في منطقتنا سوف يتراجع وجموحهم سوف يتقيد، وأغلب الظن أن العديد من المشاريع المجنونة لترامب مثل «صفقة القرن» سوف تتعطل وتتحول الى مجرد تاريخ نقرأه في الأيام المقبلة بغرض التسلية ليس أكثر.