انقشع الضباب، وتراجعت حدة الخلافات، وفاز جون بايدن، وتلقى تهاني الفوز، ومنها تهنئة من نتنياهو وأخرى من محمود عباس، وقريبًا يجلس بايدن في البيت الأبيض رئيسًا للولايات الأميركية يستقل الزائرين. وقريبًا يخرج ترامب من البيت الأبيض، ويخرج معه كوشنر وفريدمان، وجماعة الإنجيليين الأصوليين، وحين يخرج للبيت يخرج معه من البيت الأبيض قادة عرب أحبوه وراهنوا على فوزه، وأهدوه هدايا ثمينة من الدماء الفلسطينية والأرض الفلسطينية. وهكذا هي الانتخابات قادم يلتف أصحاب المصالح حوله، ومغادر ينفضون من حوله، وقد أحسن من رسم ترامب بجلابية مصرية يقمع البامية.
ما يهمنا في مجموعة الخارجين من البيت الأبيض هؤلاء الذين تبرعوا لترامب من سلة فلسطين لكي يفوز ويمنحهم شرف رضا أميركا عليهم، وكان الأجدر بهم أن يتعلموا كيف تكون التجارة مع الله لا مع ساكن البيت الأبيض، لأن نعمة ترامب لا تدوم له، فكيف تدوم لغيره. عطاء ترامب عطاء بشر فهو موقوت ومحدود ومنتهٍ، ولكن عطاء الله خالق البشر عطاء دائم لا يحول ولا يفوت، ولا ينفد، ولا نفوته نحن بموتنا.
نعم، من تاجروا مع ترامب خسروا، وألحقوا بقضية فلسطين خسائر بلا مبرر، ومن حلوا محلهم في الرهان على القادم الجديد بايدن، والتجارة معه بعيدًا عن الله، ستلاحقهم الخسارة أيضًا، فبايدن لا يبادلهم الحب والولاء، وهو ونائبه، يؤكدان ولاءهما لأميركا ولإسرائيل معا، أما المساعدات المالية فقد تعود للسلطة، ولكن التراجع عن نقل السفارة للقدس فلن يحدث لا على يد بايدن ولا غيره، ونحن لأننا لا نتاجر مع الله في إدارة السياسة لن نطلب منه إعادة سفارة بلاده إلى تل أبيب.
عودة المال الأميركي للسلطة، وللأونروا ليس مكسبا كبيرا للقضية، نعم، قد يكون مكسبًا للمتحكم بالميزانية، وبالإنفاق، ولكن ليس فيه أدنى مكسب للقضية وللدولة ولحقوق اللاجئين. وإذا كانت بعض الدول باعت موقفها القومي بالمال، فحقنا في أرضنا ودولتنا ليس للبيع ولا للمبادلة، بالقضية نحيا كرامًا، ومن دونها نحيا على موائد اللئام بين مانع ومُعْطٍ، وهكذا دواليك.
ما أود قوله في ختام مقالي هذا: على قيادتنا أن تتحرر من الخوف من المانعين، وألا تفرح للمانحين الموالين للعدو، وأن تفف موقف المسلم الذي يدير تجارته في السياسة مع الله، على قاعدة تحرير الأرض والإنسان من الاحتلال.
باختصار: نريد وطنًا حرًّا، ولا نريد مالًا بديلًا عن وطننا الحر، والقدس عاصمة دولته. لذا تهنئتي لبايدن مشروطة بالوطن الذي أبحث عنه منذ عشرة عقود حتى الآن، ولم أتوقف عن البحث عنه!