فلسطين أون لاين

​لأن "أول فرحتها" منهم

أم تصنع كتابًا تفاعليًّا لمصابي متلازمة (داون) والتوحد

...
جزء من الكتاب (أرشيف)
غزة - فاطمة أبو حية

"كأي طفل طبيعي" هكذا قررت أن تتعامل ديمة الشرفا مع "أول فرحتها"، بعد معرفتها أنه من أصحاب متلازمة داون، ولأجل "إياس" توجهت نحو الألعاب التعليمية التي من شأنها أن تطور مهاراته، وأخيرًا قررت أن تنشر فكرتها لكل الأطفال أصحاب متلازمة داون ومصابي التوحد، حتى غير المصابين، وذلك بنشر كتاب تفاعلي صممته بنفسها، ولذا أطلقت مشروعها: "My Busy Book".

تمارين الكتاب عملية تسمح للطفل بالتدرب على بعض النشاطات التي يحتاج لممارستها في حياته اليومية، فمثلًا فيه صورة فتاة شعرها من خيوط الصوف، وعلى الطفل أن يرتب هذا الشعر على شكل جدائل مثلًا، وفي صفحة أخرى صورة "غسّالة" مضاف إليها قطعة يمكن تحريكها لتكون بابًا لها، وبجانبها قطع صغيرة على شكل ملابس يأخذ منها الطفل ما يريد ويضعه داخل الغسالة، وبعد ذلك يخرجه منها لينشره على حبال في الصفحة نفسها باستخدام مشابك صغيرة، وفي تمرين يزرر أزار القميص، أو يربط شريط الحذاء، وقد يتعلم فتح وإغلاق السحاب في صورة يتوسطها سحاب.

كأي طفل

ديمة الشرفا مهندسة معمارية، أم لثلاثة أطفال، أكبرهم "إياس" من أصحاب متلازمة داون، وهو ملهمها في التوجه نحو الألعاب التعليمية.

تقول: "بدأت اهتمامي بالألعاب التعليمية عندما اكتشفت أن "أول فرحتي" من أصحاب متلازمة داون، تعاملت معه كأي طفل مُعافى تمامًا، ومنذ كان في سن ثلاثة أشهر كنت أتابع حالته باستمرار في إحدى الجمعيات المتخصصة، وكنت في كل مرة أزور فيها الجمعية أسأل الاختصاصية عن إحدى الألعاب التعليمية الموجودة في المكان لأشتري منها لابني، وإن كانت سابقة لسنه، وأحاول تعليمه بلعبي معه، وأكرر الأمر دون ملل".

وتضيف: "بعد إنجاب طفلتي الثانية _وهي تصغره بعامين_ لاحظت أن تطور مداركه ومهاراته بات أسرع، ولأني كنت أهتم بها كان هو يتعلم أسرع بدافع الغيرة، لذلك كان ابني متميزًا من بين أمثاله من الأطفال".

إلى جانب الألعاب كانت تقرأ لابنيها القصص، ونتج عن ذلك أن "إياس" أصبح قادرًا على تصفح القصص بمفرده، وقبل أن يكمل عامه الرابع كان يعرف الأشكال الهندسية الأساسية، و4 ألوان، ومعظم الحيوانات، والخضراوات والفواكه، والأهم أنه أتقن مطابقة الأشكال المتماثلة.

تقول الشرفا: "أصبحت أعشق الألعاب التعليمية، وكلما أعجبتني فكرة تعليمية اشتريت المواد اللازمة لها، وحاولت تطبيقها لصنعها مع أبنائي، مع تنفيذ الكثير من التدريبات لابني الأكبر في البيت، كإشراكه في نشر الغسيل بملاقط ملونة مع ذكر ألوانها، وفي هذه المدة لاحظت ظهور الكتاب التفاعلي في بعض الدول الأجنبية، وقليل من الدول العربية، للأطفال الطبيعيين".

قررت ضيفتنا تنفيذ فكرة الكتاب التفاعلي الذي يحتوي على تمارين لتنمية مهارات الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، كمصابي التوحد ومتلازمة داون وتأخر النمو والنطق، وأيضًا الأطفال الطبيعيين، إذ كانت ابنتها أيضًا تستمتع باللعب فيه، وشجّعها على ذلك اقتناعها بأضرار التلفاز والألعاب الإلكترونية على الأطفال، وضرورة إيجاد بدائل عنها تنمي ذكاءهم ومهاراتهم وتوفر لهم المتعة في الوقت نفسه.

وتضيف: "من هنا جاءت فكرة الكتاب الذي يجمع عدة تمارين، وعدة أهداف في لعبة واحدة، إضافة إلى تحبيب الكتاب وتصفح القصص إلى الطفل، فاللعبة التعليمية على شكل كتاب، ما يعزز حب القراءة وتصفح الكتب، وينمي مهارات عديدة يحتاج لها الطفل في حياته اليومية وتعلمه الاعتماد على نفسه".

أفكار أخرى

وتبين أنها اختارت فئة مصابي التوحد لتستفيد من الكتاب، إلى جانب مصابي متلازمة داون، لأن أطفال الفئتين يعانون تأخر في النمو والنطق، ولا يتحكمون في الإمساك بالقلم، لافتة إلى أن التمارين مناسبة أيضًا للأطفال الطبيعيين في سن صغيرة.

وتشير إلى أن مضمون الكتاب مبني على أمور علمية قرأتها وتعلمتها من مدرسة ابنها، حيث كنت تحضر معه الكثير من الجلسات التأهيلية، وتشاهد كيفية تعامل الاختصاصية معه.

ومن أمثلة المهارات التي ينميها الكتاب: فتح وغلق السحاب، وتزرير الأزرار، وربط شريط الحذاء، وتنظيف الأسنان، وتسريح الشعر، ومعرفة الأعداد ومطابقة الأشكال، مع تمارين تآزر بصري حركي، مثل النفخ، تساعد الطفل على تقوية عضلات الفك ليتمكن من النطق، وأخرى تنمي عضلات اليد الدقيقة، والجلوس بهدوء، لأن معظم الأطفال من هاتين الفئتين يتصفون بفرط الحركة، وأيضًا يحبب تصفح الكتب والقصص إلى الطفل، ويعلمه الترتيب والنظام، لأن طبيعة الكتاب تفرض على الطفل إرجاع القطع الموجودة فيه إلى مكانها بعد الانتهاء من اللعب.

وبحسب قول الشرفا ينمي الكتاب مهارات الطفل مهاراته الحسية والحركية والعقلية، إضافة إلى أنه يساعد أهله في التعامل معه، إذ يعرّفهم التمارين المناسبة له، والهدف منها، وكيف تساعد الطفل في تنمية مهاراته، ما يشجعهم على التركيز على تلك المهارات.

وتبين أن صفحات الكتاب مصنوعة من قماش الجوخ، وإلى جانبه استخدمت الكثير من المواد، مثل: الفوم والأزرار والسحابات والخرز والصوف، وغيرها.

وتشير الشرفا إلى أنها شاركت في إحدى مسابقات تمويل المشاريع، وتأهلت لمرحلة متقدمة، لكن الفوز لم يكن نصيبها، فقررت أن تطبق مشروعها بتمويل ذاتي، بإنشاء صفحة على موقع التواصل الاجتماعي (فيس بوك)، ومن طريقها تعطي الزبون حرية اختيار الألعاب التي يحتويها الكتاب.

وقد نفذت الشرفا لابنها العديد من النشاطات الأخرى، وتفكر بتصميمها ونشرها لغيره من المصابين بمتلازمة داون ضمن مشروعها.