كشفت الانتخابات الأميركية عن حالة انقسام ليس في أميركا فحسب، بل وفي النظام العربي أيضا.( إسرائيل) هي الدولة الوحيدة التي تكسب عادة من الانتخابات الأميركية بغض النظر عن الفائز، أهو جمهوري او ديمقراطي. (إسرائيل) لا تلعب سياسة الرهان المطلق على طرف من الطرفين في أميركا. بل تلعب عادة سياسة صيانة الاحتمال. النظام العربي يلعب عادة لعبة الرهان المطلق، بعضهم يراهن على الجمهوريين، وبعضهم يراهن على الديمقراطيين، وحين يخسر طرف من الأطراف العربية رهانه بخسارة من يراهن عليه منصبه، لا يبادر النظام العربي بتحويل سياسته، بل يظل يجتر الماضي كما يجتر الجمل طعامه وهو في صحراء قاحلة.
يبدو أن الجمل بأطباعه وصفاته قد فرض نفسه على من عاشوا البادية من قادة النظام العربي، كما فرضت البادية الجرداء صفاتها على لغتهم وسياساتهم، فتعاملوا في السياسة بجفاء البادية وخشونة الحياة فيها.
لماذا لا تبادر أنظمة عربية معروفة بتحويل مؤشر علاقتها الخارجية نحو بايدن الذي يسير نحو الفوز بكرسي البيت الأبيض. بإمكان هؤلاء أن يعتبروا بالسياسة الإسرائيلية التي صلت قبل ثلاثة أيام لفوز ترامب، واليوم توجهت نحو بايدن وزعمت أنه مؤيد قوي (لإسرائيل)، وأن جل اليهود أعطوا أصواتهم له؟!
الإعلام العبري أبرز خبرا أن نيتنياهو خذل الرئيس الأميركي ترامب لأنه لم يعلن تأييدة المباشر لترامب في المكالمة الثلاثية التي جرت مع إعلان السودان الموافقة على التطبيع مع (إسرائيل). هذا الإبراز هو تعبير عن حركة التحول السريع نحو صاحب المنصب، وصاحب القرار٠ الخبر المبرز يقول إن حكومة (إسرائيل) لا تتدخل في الانتخابات الأميركية، وأن الجمهوري والديمقراطي عندها سواء، وهذا في الحقيقة محض كذب، ونوع من النفاق سريع النفاذ في الفضاء.
حكومة نيتنياهو، والمستوطنون، صلوا من أجل فوز ترامب، ولكنهم تركوا هامشا لما يسمى صيانة الاحتمال، أعني كيفية التصرف السياسي إذا ما خسر ترامب الانتخابات وفاز بايدن، وصيانة الاحتمال هذه لا وجود لها تقريبا في جل الأنظمة العربية، وبالذات التي طبعت متعجلة الخطى مع ( إسرائيل )بغرض مساعدة ترامب على الفوز.
هذه الدول نفسها فشلت فيما يعرف بسياسة صيانة الاحتمال حين راهنت على انقلاب تركيا وسقوط ادروغان قبل سنوات، وبدلا من إجراء تحول سياسي عاجل يرمم ما فلت منها استمرت في عنادها السياسي تراهن على إسقاط أردوغان، ولو أخذت بسياسة صيانه الاحتمال التي تأخذ بها (إسرائيل )لوجدت فرصة في تحسين ما يفشل من علاقاتها مع الآخرين بسرعة تحفظ مصالح شعبها دون إفراط ولا تفريط. بعض قادة النظام العربي لا يعرفون صيانة الاحتمال، ولا يقرون بها توجيها سياسيا فينتهي بهم الأمر بانقلاب أو حراك شعبي ينتهي بهم إلى السجن، ويمكن أخذ نظام البشير نموذجا.