الجامعات الفلسطينية في غزة تصارع من أجل البقاء. منذ سنوات وبالتحديد منذ بدء الحصار الظالم والجامعات تحكي قصتها المالية لقادة المجتمع ولمؤسساته وللشعب أيضًا ولا معين. ليس في الجامعات أموال كافية لمواصلة العملية التعليمية جيدًا مع توفير الحد الأدنى من الراتب للموظفين. الموظفون أساتذة وإداريين يتلقون نسبة من الراتب تقع بين ٣٥-٥٠٪ وهي نسبة لا تفي بمتطلبات الحياة اليومية للموظف بما يناسب درجته ومنزلته في المجتمع.
كانت دول أوروبا تدعم الجامعات عن طريق مجلس التعليم العالي، وكانت الجامعات تستخدم هذا المال في تسديد فاتورة الطالب الفقير والمحتاج، ومن لا يملك ولي أمره الرسوم الدراسية، وكانت تستفيد منها الجامعات في سدّ العجز السنوي في موازناتها.
الدول المانحة توقفت عن دفع مساعداتها للجامعات، والسلطة لم تعوض الجامعات عن العجز الناتج عن توقف الدول المانحة. هذا ومن المعلوم أن الجامعات في غزة لا تتقاضى من الطالب الثمن الحقيقي لتكلفة الساعة الدراسية، وتتقاضى ما يقارب نصف التكلفة أو أكثر بقليل خاصة في المساقات العلمية العملية، كالهندسة، وعلوم الفيزياء التي يلتحق بها عدد محدود جدًّا من الطلبة.
هذا العجز السنوي الناتج عن نقص في ثمن الساعة الدراسية، يردفه عجز آخر ناتج عن عدم قدرة نصف طلبة الجامعات على دفع رسومهم الدراسية بسبب الفقر والبطالة الناتجين عن الحصار الصهيوني المشدد. ويضاف إلى عوامل العجز هذه عامل حاجة الجامعات السنوية لتطوير العملية التعليمية، واستحداث برامج علمية حديثة، وما ينتج عن حاجتها لتطوير البحث العلمي، وإقامة المؤتمرات البحثية الخادمة للمجتمع، وإرسال الوفود لدول العالم استضافة وشراكة جلبًا لخبرات جديدة.
الجامعات في غزة تتراجع لأسباب مالية عن أداء مهامها العلمية وخدمة المجتمع، وهذا التراجع له صفة تراكمية يزداد فيها العجز سنة بعد أخرى، وتتراجع فيها المستويات العلمية سنة بعد أخرى بشكل تراكمي، حتى باتت المؤتمرات العلمية تحمل صفة الندرة ، ولا تكاد تجد أبحاثًا تطويرية ذات مغزى.
إن مسؤولية معالجة هذه الحالة التي هي ظاهرة في كل الجامعات في غزة، تقع على عدد من الأطراف، أولها إدارات الجامعات، وثانيها الحصار، وثالثها الفقر والبطالة، ورابعها إعراض السلطة عن دعم الجامعات، وخامسها التطور المذهل والمكلف في مستلزمات العملية التعليمية الجامعية، وهنا يجدر ألا نقف عند التشخيص وعند تحديد الأسباب، وعلينا أن نقارب الحلول بما هو مستطاع.
ومن المستطاع أقترح على وزارة التنمية التي تقدم مساعدة المائة دولار للفقراء، أن تضم إليهم شريحة الطالب الجامعي الفقير الذي لا قدرة له على دفع الرسوم، وتقوم الوزارة بدفع الرسوم عنهم فصليًّا، وفي هذه الحال يستفيد طرفان: الأول الطالب الفقير فيتمكن من إتمام دراسته، والثاني الجامعة حيث يمكنها الاستعانة بما يدفع للطالب الفقير من رسوم عن طريق وزارة التنمية والشؤون الاجتماعية أن تخفف من نسبة العجز التراكمي. هذا ربما لا يكون حلًّا جذريًّا، ولكنه بالتأكيد دعوة عامة للتفكير في حلول لمشكلات الجامعات والطلبة الفقراء معًا.