بيدينِ فُولاذيتين، تعلق بقضيب حديدي مثبت على عمودين محكمين وضعا رأسيًا، ودار بجسده أكثر من خمس مرات على التوالي قبل أن يحط واقفًا على قدميه في ساحة رملية يتردد عليها الشاب محمد الهور باستمرار.
ولم تمض دقيقة كاملة، قبل أن يعلق نفسه مجددًا بذات القضيب ودفع بجسده للأعلى ووقف على يديه مقلوبًا رأسًا على عقب لثوان معدودة، كواحدة من الحركات الشهيرة في رياضة خطرة امتلك فيها الهور خبرة لا بأس بها وتعرف بـ"تدريب الشارع (street workout)".
فقبل أكثر من 3 أعوامٍ، قرر الهور البالغ من العمر (22 عامًا) وحده لعب الرياضة التي تساعد على تطوير اللياقة البدنية والبناء العضلي والصحة بشكل عام، وأبدع فيها معتمدًا على قدراته ودروس تعليمية من الانترنت.
وكان يتمنى ممارسة رياضته في أماكن مفتوحة، خاصة أنها تلعب في الهواء الطلق، لكن سوء الحالة الصحية لوالده حال دون ذلك، وكان لزامًا عليه البقاء قريبًا منه، فقرر ممارستها في ساحة بيته بمخيم النصيرات، وسط قطاع غزة.
واعتاد الشاب على التدريب في الساحة بعد أن وضع الأجهزة الأساسية وهي (العقلة، والمتوازي)، ويتردد خمس مرات في الأسبوع، بواقع ساعة ونصف الساعة أو يزيد أحيانًا لكل حصة تدريبية.
وغطت صورة رياضي ضخم مفرود اليدين مفتول العضلات يرتدي قبعة خضراء، أحد جدران الساحة، ودائمًا ما تذهب عينا الهور للنظر إليها.
وقال لـ"فلسطين" وهو يبتسم: تدريب الشارع يفرغ كل الضغوط والطاقات من داخلي. أشعر بارتياح وأنا أمارسها، تجعلني ريلاكس في التعامل مع الآخرين.
"كنت أول من مارسها في قطاع غزة. شيء جميل أن تبدأ بفكرة وتراها تنتشر".. يضيف الهور الذي أقلع عن التدخين لأجل رياضته المفضلة.
"شاهدت فيديوهات لأجانب يمارسون هذه الرياضة وبدأت أنشئ مقاطع قصيرة وأنشرها على موقع (يوتيوب)، وأول فيديو نشرته حقق نصف مليون مشاهدة، وهذا ما دفعني للاستمرار، ولاقيت تشجيعًا كبيرًا على مواقع التواصل الاجتماعي".
ومع هذا، لم يعد "تدريب الشارع" مقتصرًا على الهور، بعد أن انضم إليه مجموعة من الأصدقاء أرادوا تعلم الرياضة واتقانها "فدربت 4 شبان، وانتشرت بعدها بشكل محدود، وبات أكثر من 20 شابًا يلعبونها في غزة. وهذا دفعني للاستمرار".
لا حدود لها
"وما يميز هذه الرياضة، أن لا حدود لها فكل شخص يلعبها ممكن أن يتميز بحركة معينة قد لا يتميز آخر بها. وبقدر ما تعطيها وقتا وجهدا يكون بإمكانك اتقان حركات جديدة.." يضيف الشاب الهور، صاحب البشرة القمحية.
ويبدو هذا الشاب مصرًا على مواصلة لعب "تدريب الشارع" رغم تعرضه لضربات وعدم وجود أفق مستقبلي لها في غزة "فلا جهة رسمية تتبنى ممارسيها، ولا أحد يفكر بتوفير ساحات عامة للتدريب".
غير أنه يأمل أي يشارك في مسابقات دولية، كالتي تجري سنويًا في روسيا، ويشارك فيها شخص واحد من كل دولة عربية.
وقال: تواصلت مع مسؤول رياضي روسي، وأخبرني أن فلسطين ليس لها اتحاد يدعم هذه الرياضة، ولذلك لا يمكن إعطائي رخصة لتنظيم بطولات في غزة لانتقاء الكفاءات القادرة على المشاركة في البطولات الدولية.
ولدى الهور - الذي يسمي نفسه "الأسطورة" ويعشق محبيه ومتابعيه هذا الاسم – آلاف المتابعين على صفحة "فيسبوك" الخاصة به، ومن خلالها أسس علاقات عربية ودولية "ممتازة" كما يصفها، قد تمكنه من المشاركة في الموسم القادم من برنامج "مواهب العرب" الذي تبثه قناة "Mbc".
ولم يخف آماله بانتشار "تدريب الشارع" على مستوى أوسع بغزة "وهذا يقع على عاتق وزارة الشباب والرياضة بتوفير ساحات للشباب في الأماكن المفتوحة، حتى يأتي إليها هؤلاء بدلاً من الذهاب للمقاهي" كما يقول.
وتابع "أطمح أن أشارك في البطولات الدولية. فلسطين لديها كفاءات قادرة على رفع علمها في المحافل الرياضية. لكنهم رهن الحصار الذي يحول دون ذلك".
وفي مشهد أظهر مدى اللياقة البدنية التي يتمتع بها، اندفع الهور بقوة وركض بضع خطوات قبل أن يقفز عاليًا ليستقر فوق إطاري جرافة كبيرين وضعا فوق بعضهما وثبت دون أي حركة وقد التفت إليَّ باسمًا وبدا فخورًا بمستواه.
تصبب العرق من كل مكان في جسد الشاب وبدأ يلهث بقوة بعدما مرت قرابة الساعتين على وجودنا في الساحة الرملية.. ارتدى فنيلته وقرر مرافقتي إلى موقف السيارات، فسرت معه بهدوء حتى لا يشعر بالتعب. ارتفع حاجباه استغرابًا بعد أن أخرج سائق مركبة مسرعة مرت بجانبه؛ يده أشار بها مناديًا "ع العافية يا أسطورة"؛ على الفور، تألقت ابتسامة واسعة على وجهه، ورفع كفيه وحيا الهور صديقه بصوتٍ أجشّ "حبيبي يا غالي".