لا يزال المنتج الوطني يواجه منافسة محتدمة في صراعه مع المنتجات المستوردة خاصة الإسرائيلية، وسط تقصير حكومي وتجاهل مجتمعي وخرق للقوانين والقرارات التي تقضي بحمايته.
فإعطاء المنتج الوطني حصة سوقية وتشجيعاً مجتمعياً يحتاج إلى خطة تسويقية مدروسة تشرف عليها الحكومة والقطاع الخاص معاً، يسبقها تأهيل للبنية التحتية، وتفعيل مؤسسة المواصفات والمقاييس، وتقديم الحوافز، وفق مسؤوليْن نقابيَيْن وخبير اقتصادي.
كما ينبغي الضغط على الاحتلال لرفع قيوده عن مدخلات العمليات الإنتاجية، ودعوة المانحين لتعويض الصناعات المتضررة في الحروب، فضلاً عن إيجاد حلول جذرية لأزمة الكهرباء التي تعد عصبا أساسيا للقطاعات الإنتاجية في قطاع غزة.
وأقرت السلطة الفلسطينية الأول من شهر نوفمبر يوماً وطنياً لتشجيع المنتجات الوطنية، و"ذلك تطبيقا لاستراتيجيتها في تعزيز القاعدة الإنتاجية للاقتصاد الوطني، بما يشجع على الانفكاك الاقتصادي عن الاحتلال الإسرائيلي".
تدخلات فعلية
ودعا علي الحايك نائب رئيس اتحاد الصناعات الفلسطينية السلطة لدعم فعلي للمنتج الوطني، ومنحه حصة سوقية، لما لذلك من أهمية في خفض معدلات البطالة وزيادة الناتج المحلي.
وقال الحايك لصحيفة "فلسطين": ما تقدمه السلطة في إطار حديثها عن دعم المنتج الوطني لا يتخطى إطار الأقوال دونما دلائل واضحة على الأرض، كما أن الحكومة لا تقدم أي امتيازات للمنتج الوطني.
وتطرق الحايك إلى عدد من التدخلات الحكومية التي يجب أن تنفذ لحماية المنتج الوطني، أبرزها توفير البنية كافتتاح المختبرات الوطنية، وتفعيل دور مؤسسة المواصفات والمقاييس.
ومن التدخلات أيضاً -حسب الحايك- تطوير وإصلاح البيئة التشريعية الناظمة للاقتصاد الوطني، وتوفير الحوافز الاستثمارية، وتأهيل المناطق الصناعية، ومنح الأفضلية في العطاءات والمشتريات الحكومية للمنتج الوطني، ووضع رسوم جمركية بسقف مرتفع على سلع مستوردة لها بدائل وطنية خاصة الإسرائيلية.
وشدد على أهمية زيادة حصة الصناعة والزراعة في الموازنة العامة، ورفع الاحتلال قيوده عن مدخلات العملية الإنتاجية، مشدداً على ضرورة أن تصرف الدول المانحة قيمة الأضرار للقطاعات الصناعية بغزة.
وأشار الحايك إلى أن أزمة الكهرباء القائمة لها تبعاتها السلبية على العملية الإنتاجية وزيادة التكلفة التشغيلية.
وحسب تقرير للبنك الدولي فإن الاقتصاد الفلسطيني تضرر بشدة من جراء القيود المفروضة على السلع ذات الاستخدام المزدوج، مبيناً أن تخفيف القيود من شأنه أن يضيف 6% إلى حجم الاقتصاد في الضفة الغربية و11% في قطاع غزة بحلول عام 2025، بالمقارنة مع السيناريو المتوقع إذا استمرت القيود.
القاعدة الإنتاجية
ويقول رئيس اتحاد جمعيات حماية المستهلك عزمي الشيوخي، إن دعم المنتج الوطني من شأنه أن يوسع القاعدة الإنتاجية فيتوفر أكبر عدد من الأيدي العاملة، مشيراً إلى أن اختيار المنتج الوطني يُقصر من عمر الاحتلال الإسرائيلي.
وشدد الشيوخي في حديثه لصحيفة "فلسطين" على ضرورة إعادة الاعتبار للقطاعات الإنتاجية المختلفة وعلى رأسها القطاعات الزراعية النباتية والحيوانية لما لها من دور كبير في تعزيز الاقتصاد الوطني.
ودعا إلى رفع منسوب الوعي لدى المستهلك الفلسطيني بأن المنتج الوطني أصبح يضاهي المنتجات المستوردة بما فيها الإسرائيلية، وأن انتقاءه يوفر فرص عمل، ويعزز من قوة الاقتصاد الوطني.
وبين أن رفع الوعي مسؤولية مجتمعية تشارك فيها الحكومة، وجمعيات حماية المستهلك، ومؤسسات القطاع الخاص والمجتمع المدني وحتى المواطن نفسه، وذلك من خلال تنظيم حملات ميدانية، وعقد لقاءات واجتماعات بصورة دورية، وتوزيع منشورات ومطبوعات توعوية، فضلاً عن استثمار مواقع التواصل الاجتماعي.
واستعرض الشيوخي مجموعة من المنتجات الوطنية التي أثبتت قدرتها على مجابهة المستورد، بالجودة والسعر، ومنها منتجات الألبان، ومنتجات الأخشاب والزخارف، والزجاج، ومشغولات الألومنيوم، والمطرزات والملابس، وإنتاج العصائر، والتمور، الزيوت، فضلاً عن صناعة الحجر والرخام، والأحذية وغير ذلك.
ولفت إلى وجود خرق للقوانين الفلسطينية التي تحظر استيراد وترويج منتجات المستوطنات في السوق الفلسطينية، داعياً الجهات الرسمية لتشديد العقوبة بحق المخالفين.
وأوصى في الصدد بتحديث دليل منتجات المستوطنات لتفعيل إجراءات مكافحتها وتوعية المستهلك بخطورتها.
وحسب بيانات لجهاز الإحصاء سجلت الصادرات الفلسطينية محلية المنشأ خلال العام المنصرم ارتفاعاً بنسبة 9.0% مقارنة مع عام 2018، حيث بلغت حوالي 804.5 ملايين دولار.
تغطية جزئية
بدوره قال الاختصاصي الاقتصادي د. هيثم دراغمة إن مساهمة المنتجات الوطنية في تحقيق نهوض اقتصادي بسيطة في الفترة الحالية، وإنها ليست بالشكل المطلوب، لأن المنتج الوطني لا يُلبي كامل احتياج السوق المحلي.
وذكر دراغمة في حديثه لصحيفة "فلسطين" أنه استناداً لإحصائيات اطلع عليها فإن نسبة اقبال المستهلك على شراء المنتجات الوطنية لا تتعدى 25%، ومساهمة المنتج الفلسطيني في الناتج المحلي لا تتعدى 15%، عازياً أسباب تدني تلك النسب إلى عدم الامتثال للدعوات المطالبة بتحسين جودة المنتج، والبيع بسعر منافس.
وبين أن توجه المستهلك لانتقاء المنتج الوطني سيزيد من إمكان تحسن الحالة الاقتصادية في الأراضي الفلسطينية لأنه سيعود بفائدة على ميزانية الحكومة من حيث الجباية التي تصرف على أوجه مختلفة من أهمها الرواتب والخدمات.
وأكد دراغمة أهمية وضع خطة لتسويق المنتج الفلسطيني، تقوم عليها الحكومة بالشركة مع القطاع الخاص على أن يسبق الخطة شروط ومقومات لتسويق المنتج تشمل الجودة والقدرة على المنافسة السعرية للمنتجات.
وعدّ أن مبرر ضعف رقابة حماية المستهلك بوزارة الاقتصاد على متابعة الأسواق بقلة الطاقم، غير مقنع حيث بالإمكان الاستعانة بموظفين من الوزرات الأخرى التي تضج ببطالة مقنعة وإخضاعهم للتدريب للتعامل مع الأسواق وذلك إنصافاً للمستهلك ودعماً للمنتج الوطني.
ودعا دراغمة لأن يكون لمؤسسات "حماية المستهلك" أدوار فاعلة، وليست مسمى على ورق، مشيراً إلى أن عددا كبيرا من المواطنين لا يعرفون من هي هذه المؤسسات التي تحمل اسمهم.
وقال يجب على تلك المؤسسات أن تقوم بدورها على النحو المطلوب، وأن تتخذ الإجراءات التي من شأنها أن تحد من المخالفات التي ينتهجها التجار، مشيراً إلى أن الاجراءات العقابية لا ترتقي لمستوى الحدث، وهذا تسبب في انتشار جرائم الأمن الغذائي.