جميل وجيد أن يتراجع ماكرون الرئيس الفرنسي عن دعم الرسوم المسيئة للنبي صلى الله عليه وسلم. استمعت لتصريحات ماكرون في لقائه على قناة الجزيرة القطرية، فوجدت في تصريحاته تراجعا واضحا، واتهاما لوسائل الإعلام بتحريف كلامه، واتهاما لبعض المسلمين بالخطأ في فهم مراده من تصريحاته.
التراجع عن الخطأ فضيلة في ثقافة المسلمين، والتمادي في الخطأ رذيلة، وما أرجوه أن يكون تراجع ماكرون قد جاء عن نية صادقة، وعن قناعة راسخة تقوم على احترام الإسلام والمسلمين. أرجو ألّا يكون تراجعه عملا سياسيا يتفادى به دعوات الشعوب لمقاطعة البضائع الفرنسية، حيث وصل تأثيرها لعدد لا بأس به من المصانع والمتاجر.
يقول ماكرون في مقابلته على الجزيرة إنه يحترم دين الإسلام والديانات الأخرى، وإن الفرنسي المسلم له الحقوق نفسها التي لغير المسلم، وهذا القول فيه نظر، حيث لا تتمتع المرأة المسلمة بحرية لبس الحجاب والنقاب، على نحو الحرية التي تتمتع بها المرأة السافرة التي تخرج بشعرها! وماكرون لا يستطيع نفي ذلك، وربما يضطر لاحقا لمراجعة القوانين المقيدة لحرية المرأة المسلمة في بلده.
ماكرون الذي يعلن الآن احترامه لدين الإسلام، يعلن مجددا دعمه لحرية التعبير والرسم، والرسم الكاريكاتوري، ولكنه لا يدعم أي رسومات تسيء إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وتجرح مشاعر المسلمين، وتثير غضبهم. وهذه المناورة الكلامية لا تمنع من ظهور رسوم جديدة تجرح مشاعر المسلمين تحت يافطة حرية القول والرسم، وكما تشرّع فرنسا قوانين تعاقب المخالفين في السير أو البناء، فيمكنها تشريع قوانين تمنع الإساءة للأنبياء، وكما شرّعت قوانين ضد معاداة السامية خدمة لليهود، يمكنها تشريع قوانين تحارب التمييز ضد المسلمين.
في بلادنا الإسلامية كل المسلمين يرفضون التطرف، ويدينون الإرهاب، ويرون في المتطرفين عمالا يسيئون للإسلام، ولكنْ ثمة متطرفون مسيحيون في فرنسا، ومتطرفون في الجيش الفرنسي، وإذا كان هؤلاء لا يمثلون فرنسا، ولا المسيحية، فإن المتطرفين من المسلمين هم أفراد لا يمثلون الإسلام ولا المسلمين، بل يمثلون أنفسهم، لذا يجدر أن تكون معاملة الغرب للتطرف أنه ظاهرة بشرية عامة، وهي ليست خاصة بالمسلمين.
التراجع عن الخطأ فضيلة، والأفضل منه عدم الوقوع في الخطأ ثم التراجع عنه تحت ضغوط المصالح.