يبدو لي أن علو (إسرائيل) قد بلغ مبلغًا لم يبلغه من قبل. نعم كان هناك علو لها في عام ١٩٦٧م عندما هزمت الجيوش العربية واحتلت الأرض العربية بما فيها كامل تراب فلسطين تحت الانتداب، ونعم إن لها علوًا كبيرًا في السيطرة على القدس، وضمها رغم أنف العالم، ولها علو مثله في الاستيطان البغيض الذي فتك بجل الأراضي الفلسطينية في الضفة.
ولـ(إسرائيل) علو موازٍ في السياسة الدولية والإقليمية، فكل ما تريده من العالم توشك أن تأخذه بغير نقصان. أميركا تدافع عن (إسرائيل) وروسيا والاتحاد الأوربي كذلك يدافعون عنها، وهذ ربما يرجع إلى قوة (إسرائيل) الاقتصادية والعسكرية والمالية، وقدرة قيادتها على التواصل مع العالم الحر، وتجنيد الرأي العام في الغرب لخدمتها، وخدمة أجندتها.
ليس مستغربًا أن تحقق (إسرائيل) هذا العلو بقوتها الذاتية، ثم بمساعدة أميركا حيث لا يختلف جمهوري عن ديمقراطي في تقديم خدمات أميركا بكل أنواعها لها.
المستغرب أن يقف الأمين العام للأمم المتحدة غوتيريش يخاطب اللوبي اليهودي في أميركا قائلًا إنه سيدافع عن (إسرائيل)، ويمنع موظفيه من انتقادها، ملمحًا لريما خلف التي استقالت من منصبها بعد أن رفضت سحب تقرير يصف دولة (إسرائيل) بالعنصرية، وقال: سيضمن التزام هؤلاء الذين يعملون تحت رئاسته بالمبادئ التي يعتبرها صحيحة"، وقال: "بصفتي أمينًا عامًا للأمم المتحدة اعتبر (إسرائيل) أنها ستتعامل مثل أي دولة أخرى؟!
إنها المرة الأولى التي يخاطب أمين عام الأمم المتحدة من منصبه منظمات يهودية، وليس دولا أو حكومات دول. إنه بخطابه للمنظمات اليهودية على هذا النحو الانتقائي يعني أن الأمين العام ينحاز تلقائيا لدولة (إسرائيل)، وفي ظني أن هذا الموقف المستغرب جاء من ذاك العلو الإسرائيلي الذي تحدثنا عنه آنفًا.
الأمين العام عادة يخاطب دولا لا منظمات خاصة، ولكن هذا يحدث لأول مرة في تاريخ الأمناء العامين للأمم المتحدة، والغريب أن الحضور من اليهود وقفوا له مصفقين إحدى عشرة مرة، وودعوه من المنصة وهو قيام يصفقون لدفاعه عن دولة (إسرائيل) وكأنه بينهم رجل من أهل بيتهم .
إن مؤشرات هذا العلو تأتي تصديقا لما جاء في القرآن: ولتعلن علوا كبيرا. هذه هي حكمة الله، حتى إذا أراد الله أن يقلب المعادلة قلبها بكن فيكون. لقد ابتلى الله أهل فلسطين، والأمة العربية بهذه الامتحانات، والابتلاءات لينظر ماذا يصنعون. والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.