كانت معجزات الأنبياء قبل محمد صلى الله عليه وسلم منفصلة عن المنهج. معجزات موسى وعيسى عليهما السلام آيات حسية غير التوراة وغير الإنجيل، ولكن معجزة النبي صلى الله عليه وسلم هي عين المنهج. فالقرآن العظيم هو معجزة النبي محمد صلى الله عليه وسلم الرئيسة، ولأنها لا تنفصل عن المنهج فهي معجزة دائمة لمن عاصر النبي، ولم يأتِ بعد عصر النبي، وهي معجزة تحمل التحدي الدائم للأجيال أن يأتوا بسورة من مثله.
وقد أكد القرآن الكريم على وجوب الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم، وبالأنبياء كافة، وأوجب على المسلمين احترام جميع الأنبياء، والترضي عنهم جميعا، والشهادة لهم بأن كلاً منهم بلغ الرسالة التي كلفه الله بها. وليس لمسلم يؤمن بالله والرسول واليوم الآخر أن يسيء لموسى أو عيسى، أو أي من الأنبياء، واحترام الأنبياء وتبجيلهم موجود أيضا في التوراة والإنجيل قبل تحريفهما، وقبل لعب السلطة الزمنية فيهما، وقبل كتمها لخبر النبي محمد وصفاته التي ذكرها الله في الكتابين.
من حرفوا، وكتموا، وكذبوا، تركوا عبئا ثقيلا على الأجيال اللاحقة، ثم جاءت العلمانية الحديثة فزادت هذه الأعباء ثقلاً وانحرافاً، حتى بتنا نرى بين الفترة والأخرى من يغامر بالإساءة إلى الأنبياء والرسل، وبالذات للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، والمؤسف أن انحرافهم يلقى حماية ودعما من قادة بلادهم تحت واجهة حرية الرأي، وهي واجهة مزيفة، حيث خصّ هؤلاء المنحرفون نبي الإسلام محمد بجرائمهم، الأمر الذي يفسر بأنه عدوان عنصري صليبي حديث.
إذا كنا نحن المسلمين نعيش في ظلال هذه الهجمات العنصرية الصليبية المتجددة، وهذه المرة نعيشها ونحن نحتفل في ذكرى مولد نبي الهدى محمد صلى الله عليه وسلم، فإنه يجدر بالمحتفلين بهذه الذكرى العطرة أن يجعلوا الذكرى هذه محطة لمقاومة التجديف الغربي ضد الإسلام، سواء أصدر هذا من أفراد، أو صدر من جهات رسمية، ولا يجوز لمحب لمحمد صلى الله عليه وسلم أن يتغافل عن القيادة الفرنسية التي نشرت حمايتها لهذه الإساءات الوقحة.
نحتفل بمولد الرحمة التي نزلت للعالمين، وبمولد الهدى للثقلين، وبمولد خير من وطئ الثرى بقدميه، وأضاء عتمات الدجى بنور وجهه وإشراقات منهج الإسلام الخالد، ويجدر بكل مسلم في كل بقعة في هذا العالم أن يجرد من نفسه مدافعا عن نبيه، وأن لا يحتقر عملا فرديا في نية عقاب المسيئين أفرادا ودولا، في فرنسا وغيرها، ويجدر بالأفراد أن لا ينتظروا قادة الدول لنصرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، لأن جل هؤلاء لا يسيرون على منهجه ولا يقتفون سنته. نعم اليوم هو يوم مولد الهدى، صلى الله عليه وسلم، جمعنا الله وإياكم بحضرته ، في يوم لا ظل إلا ظل الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، وقصم الله ظهر كل فرد أو دولة أساءت لصاحب الذكرى العطرة. والحمد لله رب العالمين.