فلسطين أون لاين

​معاناة الحرفيين مع أزمة الكهرباء .. أرزاق تقطعها العتمة

...
أزمة الكهرباء تلقي بظلالها على غزة (أ ف ب)
غزة - عبد الرحمن الطهراوي

يجلس ناصر الصفدي على كرسي بلاستيكي خلف آلة خياطة محاولًا سباق الزمن، لحياكة وتجهيز أكبر كمية من الأقمشة قبل انقطاع التيار الكهربائي.

وفي بقعة ساحلية ينعم سكانها _في أحسن الأحوال_ بست ساعات وصل مقابل 12 قطع للكهرباء، فإن جل أصحاب المهن والحرف العاملين في قطاع غزة يتفقون على أن أزمة الكهرباء تشكل مأساة لهم على الصعيد الاقتصادي والمعيشي.

وقال الصفدي، وهو يضع اللمسات الأخيرة على حياكة بدلة رجالية ذات لون سكني: "نحاول أن نغتنم كل دقيقة تتوفر فيها الكهرباء بالنهار، ولكن للأسف يفصل التيار عدة مرات خلال الساعات الخمس التي يتوفر بها".

والمفارقة هنا، أن الصفدي وهو مالك لأكبر مشاغل الخياطة الغزية، اعتاد خلال السنوات القليلة الماضية، على إدارة المصنع ومتابعة العاملين لديه، ولكن في ظل تفاقم أزمة الكهرباء يضطر للنزول إلى ميدان العمل وتأجيل المهام الإدارية إلى أوقات أخرى.

تكاليف مضاعفة

وأضاف لمراسل "فلسطين": "أضطر لتحمل تكاليف مالية مضاعفة حال تشغيل المولد الكهربائي، الذي يستهلك تسعة لترات من السولار الصناعي في الساعة الواحدة، وكذلك أقلص أجرة العمال وفقًا لحجم الإنتاج وساعات العمل".

ومن سوء الحظ _إن جاز التعبير_ أن التيار الكهرباء انقطع خلال إجراء المقابلة، الأمر الذي دفع محدثنا إلى ترك تجهيز البدلة واستكمال الحوار من خلف مكتبه الخشبي.

وتساءل الصفدي بنبرة الغضب الممزوجة بالحسرة: "ماذا سنفعل بست أو أربع ساعات كهرباء؟ وما قيمة الكهرباء إن جاءت بعد منتصف الليل أو في ساعات متأخرة من المساء؟ ومن الذي سيعوضني عن ثمن الآلات والقطع التي تتعطل وتتلف كليًا بسبب الانقطاع المفاجئ للكهرباء؟".

وأشار إلى أنه تكبد خلال الفترة الماضية خسائر مالية تتجاوز الـ25 ألف شيكل بسبب المشكلة، مبينًا أن الأزمة القائمة حاليًا ستوثر بشكل كبير في استعدادات مصانع وتجار الملابس لشهر رمضان المقبل وكذلك عيد الفطر.

وكان مصنع ناصر الصفدي يشكل قبل فرض الاحتلال الإسرائيلي حصاره المشدد على القطاع، منتصف عام 2007، مصدر دخل أساسي لنحو 150 عائلة غزية، لكن سرعان ما تقلص العدد للنصف واليوم يؤمن المصنع لقمة العيش لـ12 عاملًا فقط.

لهفة الترقب

وإذا كان الصفدي وعماله الاثنا عشر يسابقون الزمان لإنجاز طلبات الزبائن على قلتها، فإن العامل في منجرة للأخشاب شرقي مدينة غزة، الشاب محمد السرحي يترقب عودة التيار الكهربائي على أحر من الجمر.

وأوضح السرحي في حديثه لصحيفة "فلسطين": يتوقف الأجر المادي الذي أتقاضاه على ساعات العمل اليومي في المنجرة، فهو يزيد أو يقل وأحيانًا قد ينعدم والسبب بذلك مشكلة الكهرباء المتفاقمة يومًا بعد الآخر دون حلول جذرية تنهي المشكلة وتوقف معاناة المواطنين.

ويتحدث السرحي عن واقع عملهم مع استمرار مشكلة انقطاع الكهرباء، قائلًا: "المهام المطلوب إنجازها متعددة والزبون يرغب بإنهاء معاملته في أقل وقت ممكن، ولكن 4 أو 6 ساعات من وصل التيار تقف عائقًا أمامنا وتدفعنا لبذل مزيد من الجهد وتحمل أعباء جسدية مضاعفة".

ورغم أن المنجرة يتوفر لديها مولد كهربائي دائم، إلا أن غالبية معدات العمل بحاجة إلى قدرات كهربائية تفوق القدرة الناتجة، الأمر الذي يجعل ساعات العمل الأساسية مرتبطة بتوفر الكهرباء القادمة من المحطة الرئيسة.

ويعاني القطاع من أزمة كهرباء حادة، بعدما دمرت طائرات الاحتلال الحربية محطة الكهرباء الوحيدة في غزة، صيف 2006، قبل أن تستهدف مجددًا في حرب 2014، وبعد عدة أشهر عادت المحطة للعمل جزئيا وسط أزمات متعددة تؤثر في جدول التوزيع اليومي.

ولا تكاد تختلف تفاصيل المعاناة التي يكتوي بنارها، صاحب منشأة "الإسراء" للطباعة والتصميم الفني محمود الخالدي، عن سابقيه.

هل الخمسة تكفي؟

ويصف الخالدي ظروف العمل بـ"المأساة" ويزيد قائلًا :"أضطر لتغيير موعد تشغيل المطبعة وإغلاقها أو استدعاء العمال في أوقات مختلفة بما يتوافق مع وجود التيار الكهربائي، حتى وإن عاد في أوقات متأخرة".

ويضيف الخالدي لـ"فلسطين" مستنكرًا: "مصدر رزقنا الوحيد أصبح مرتبط بشكل أساسي وقطعي بالكهرباء، فهل من المعقول أن تنجز أعمالك وتلبي طلبات الزبائن خلال 5 ساعات يفصل فيها التيار أكثر من مرة؟".

ويتمنى الخالدي أن يبادر أصحاب القرار إلى إيجاد حلول عاجلة للأزمة التي تعصف بجميع مناحي الحياة.

وتتراوح حاجيات القطاع من الكهرباء بين 480 و500 ميغاوات، لكن المتوفر قرابة 222 ميغاوات في أحسن الأحوال، وتأتي بالأساس من ثلاثة مصادر، هي: محطة غزة الرئيسة، وخطوط كهرباء قادمة من الاحتلال وأخرى مصرية تزود الأجزاء الجنوبية للقطاع.