يُواصل الدين العام الفلسطيني الارتفاع إلى مستوى قياسي تخطى نسبة (11%) فيما بلغ حجم الاقتراض (2.2 مليار) دولار، وهذه الأرقام والنسب لها تداعيات خطيرة على بنية الاقتصاد الوطني وهيكلته، مما يستدعي -حسب خبراء اقتصاديين- تدخلات حكومية عاجلة لتطويق الأزمة الاقتصادية الراهنة والبحث عن حلول فعالة والحد من النفقات.
وأشار الخبراء إلى أن أوجه استخدام الدين العام تتم في معظمها لتغطية النفقات الجارية أي النفقات الاستهلاكية ولا يتم توجيهه نحو الإنفاق الاستثماري لذلك لا يتوقع أن يكون لهذا الدين أي دور محوري في تحقيق تنمية مستدامة.
وأظهرت بيانات وزارة المالية والتخطيط في رام الله أن الدين العام المستحق على الحكومة ارتفع خلال الأشهر الثمانية الأولى من العام الحالي بنسبة ( 11%) ليصل إلى ( 11.35) مليار شيقل.
وأوضحت البيانات أن إجمالي الدين المحلي بلغ قرابة (6.6) مليار شيقل بينما الدين الخارجي بلغ نحو (4.45) مليار شيقل.
ويشمل الدين العام كل المبالغ التي تقترضها الحكومة من الجهاز المصرفي الفلسطيني أو المؤسسات الدولية فيما لا يشمل الديون المترتبة على القطاع الخاص.
وحسب بيانات وزارة المالية في رام الله، فإن اقتراض الحكومة ارتفع منذ بداية العام الحالي إلى (2.2) مليار دولار، بعدما كان( 1.2 )مليار دولار في بداية العام بنمو نسبته ( 37 %).
واعتبر الاختصاصي الاقتصادي د.رائد حلس، أن عدة أسباب تقف وراء ارتفاع حجم الدين العام، منها تجميد أموال المقاصة، وتراجع الدعم الدولي.
وقال حلس لصحيفة "فلسطين"، إن الحالة الفلسطينية لها خصوصية مختلفة عن باقي دول العالم بسبب الاحتلال والظروف السياسية والاقتصادية والعوائق الاقتصادية المختلفة، وعدم توفر الموارد والأدوات الاقتصادية أهمها قلة ومحدودية الموارد المالية المتاحة للحكومة نتيجة انخفاض الدعم المقدم منذ تولي دونالد ترامب سدة الحكم وقطع المساعدات الأمريكية منذ العام 2018.
وأضاف حلس: "قرصنة الاحتلال الإسرائيلي لأموال المقاصة منذ العام 2019، وأمام هذا الوضع لجأت الحكومة الى الاقتراض المحلي من البنوك المصرفية والاقتراض الخارجي الأمر الذي أدى إلى ارتفاع الدين العام بشقيه الداخلي والخارجي".
وأكد حلس أن ارتفاع حجم الدين العام يؤثر على متانة الوضع المالي للحكومة ويشكل عائقاً وتحدياً حقيقياً أمام القدرة على السداد والوفاء بالتزاماتها المالية لا سيما في الوقت الراهن في ظل أزمة كورونا التي أدت أيضا إلى تراجع الايرادات الضريبية وزيادة النفقات العامة بسبب اعلان حالة الطوارئ والاجراءات الصحية المتخذة لاحتواء الأزمة.
ودعا حلس إلى انتهاج سياسة مالية من شأنها تخفيض حجم الدين العام وبخاصة الدين الداخلي من القطاع المصرفي وذلك بسبب أن الفوائد المترتبة على الدين الداخلي أكبر من الفوائد المترتبة على الدين الخارجي، ومن ثم اعادة النظر في توجيه هذا الدين نحو الانفاق الاستثماري والذي يتوقع أن يكون له دور محوري في التنمية المستدامة.
وحسب بيانات وزارة المالية برام الله إن حجم أموال المقاصة المتراكمة لدى الاحتلال مع نهاية أيلول بلغ ( 2.5 ) مليار شيقل بالإضافة إلى (500) مليون محتجزة من العام الماضي.
وكانت امتنعت حكومة رام الله عن استلام أموال المقاصة منذ أيار/مايو تنفيذا لقرار رئيس السلطة بوقف كافة العلاقات مع الاحتلال بعد إعلان سلطات الاحتلال نيتها ضم أراض فلسطينية.
من جانبه أكد الاختصاصي الاقتصادي د.نور أبو الرب، أن السلطة في مأزق مالي شديد، وأن الخيارات التي تمتلكها محدودة جداً للتغلب على أزماتها المالية الآخذة في الارتفاع شهراً عن الآخر.
وشدد أبو الرب في حديثه لصحيفة "فلسطين "على أن ارتفاع الدين العام سيزيد من عجز الحكومة على الالتزام تجاه الموردين بطريقة مباشرة وغير مباشرة. وأكد أبو الرب على ضرورة أن تتجه الحكومة إلى تخفيض نفقاتها في الوزارات والمؤسسات خاصة السفارات والقنصليات في الخارج، واجراء تقشف لدى أصحاب المناصب العليا.
وأشار أبو الرُب إلى أن فاتورة الرواتب تبلغ حوالي (550 ) مليون شيقل شهريا مع اضافة أشباه الرواتب ترتفع الرواتب إلى ( 800 ) مليون شيقل. وتقدر نفقات الحكومة في رام الله شهريا ( 1.2) مليار شيقل فيما المتاح من الايرادات المحلية يبلغ (300) مليون شيقل فقط.