ما الذي أزعج عباس من اتفاق أبراهام؟! عباس أول من اعترف وصالح وطبع، فلماذا يغضب من الإمارات والبحرين والسودان؟! هل يقف عباس موقف حماس التي ترفض الاعتراف والتطبيع من منطلقات جذرية وطنية وتاريخية ودينية؟! عباس يرفض موقف حماس، ولا يلتقي معها في ضرورة التمسك برفض الاعتراف والتطبيع. عباس طالب حماس مرارًا وتكرارًا بالاعتراف باتفاقية أوسلوا، التي تعني الاعتراف (بإسرائيل) دولة طبيعية على الأرض الفلسطينية؟!
خلاصة القول نحن مع عباس وحماس في موقفين، لا في موقف واحد، وإن جمع بينهما رفض اتفاق أبراهام الذي يضم الآن الإمارات والبحرين والسودان. ما في هذه القضية هو توافق مواقف، لا توافق منطلقات وغايات. وبيان ذلك يقول:
عباس يرفض اتفاق أبراهام بين الدول المذكورة آنفا (وإسرائيل)، لأن هذا الاتفاق يدمر المبادرة العربية التي يحتمي فيها عباس في مفاوضاته مع (إسرائيل)، وفي الدفاع عن موقفه إقليميًّا ودوليًّا. اتفاق أبراهام هدم دفاعات عباس، وجعله بلا دروع واقية. المبادرة العربية قالت حل القضية الفلسطينية، وحل الدولتين، قبل الاعتراف وقبل التطبيع، واتفاق أبراهام قال التطبيع قبل حل الدولتين وقبل حل القضية الفلسطينية. هذا الانقلاب الخطر عرى محمود عباس ومشروعه، وجعله في حالة دوار، وهذا شيء منطقي حين تسقط رهانات الرجل تحت قدميه، وتعلن الجامعة العربية التخلي عن دعم مشروعه.
اتفاق أبراهام يحمل عباس وسياسته المسؤولية عن الفشل في حل القضية الفلسطينية حتى هذا التاريخ، ولأنه هو المسؤول لا (إسرائيل) فإن دول أبراهام لن تنتظر قائدًا فاشلًا، وترى أن مصالحها في تجاوزه، والضغط عليه للقبول بعرض صفقة القرن، وعرض نتنياهو.
أبراهام قال للقادة الفلسطينيين: العواصم العربية ملت منكم، ومن قضيتكم، ومن ثمة خرج بندر بن سلطان مسؤول المخابرات السعودي السابق يعبر عن هذا الموقف، ويهاجم القيادات الفلسطينية على مدى مساحة تاريخ القضية منذ عام ١٩٤٨م وحتى تاريخه، مع التركيز على عرفات وعباس وحماس. هذا الهجوم الموصوف إعلاميًّا بشيطنة القيادة الفلسطينية تلقى دعمًا من قادة البلاد، وتلقى ترديدًا وتكريرًا ونشرًا من صحف البلاد وصحف العالم أيضا.
إسرائيل أسقطت حل الدولتين، وصفقة القرن أكدت إسقاطها، واتفاق أبراهام كتب السطر الأخير في عملية إسقاط هذا الحل عربيًّا. هذا ما أغضب عباس؟! عباس لم يغضب من أبراهام من التطبيع ذاته، كما تغضب حماس منه، عباس يغضب منه لأنه يهدم مشروعه التفاوضي، ويهدم حل الدولتين. عباس الآن للأسف بلا ظهير تقريبًا؟! وربما كان في هذه المحنة منحة يجدر به أن يلتقطها فيعمل على بناء جبهة فلسطينية داخلية قادرة على الصمود والتحدي، وتعويض الدرع الذي فقده؟!