فلسطين أون لاين

السودان.. من اللاءات إلى البرهانيات!

السودان.. انقشع ضباب المقاربات والتحليلات وأشرقت أضواء التطبيع ساطعة تبهر الأعين، وترسم حقيقة اليوم وغدا. السودان صاحب اللاءات الثلاث: لا للاعتراف، لا للصلح، لا للمفاوضات، وما أُخذ بالقوة لا يُسترد إلا بالقوة، صار يوم الجمعة ٢٣/١٠/٢٠٢٠ سودانا جديدا ينعر بنعم للاعتراف، نعم للمصالحة، نعم للمفاوضات، وزاد رابعة تقول نعم للتطبيع!

السودان الآن هو الدولة الخامسة في أعين الحاسدين التي تدخل منتدى الاعتراف والتطبيع. حيث تقول مصادر اليهود إنه ثمة دولا أخرى تهرول ببطء باتجاه التطبيع، ولم تفصح هذه المصادر عن أسماء هذه الدول، ونحن نقول لا داعي للتخمينات، فكاشفات الأيام تلاحق الغرف المغلقة بأضواء لا تقبل عتمات النفوس المتراجعة عن حقوق الفلسطينيين.

كنت أحسب أن الأحزاب السودانية، والديمقراطية السودانية، وتاريخ السودان الشعبي والحكومي لن يسمحوا للقيادة العسكرية بركوب سفينة التطبيع مع العدو بهذه السرعة، وأن الحراك الشعبي والحزبي السوداني سيكون ضغطه أثقل من ضغط البيت الأبيض، وللأسف تحقق عكس ما كنت أحسب وأتوقع، وربما واساني بعض المواساة خروج مظاهرة شعبية في الخرطوم ترفض قرار المجلس العسكري وحكومة حمدوك، وتقول هذا القرار ليس من صلاحيات مجلس انتقالي وحكومة انتقالية، وواساني بعض المواساة أيضا بيان حزب الأمة السوداني جناح الصادق المهدي، وبيان حزب المؤتمر الشعبي، وبعض الأحزاب الأخرى، ولكن هذه الأحزاب لم تسجل تحركا حقيقيا لمنع التطبيع قبل وقوعه، واكتفت بتسجيل موقف للتاريخ، لا للتغيير أو التعطيل.

خرج السودان من اللاءات، وخرج من المبادرة العربية، كما خرجت مصر والأردن ومنظمة التحرير والإمارات والبحرين، وصارت اللاءات والمبادرة العربية من التاريخ، ورقة يرجع إليها الباحثون لتوثيق أحداث رحلة الخداع العربي، ورحلة التنازلات العربية بعد هزيمة مصر والعرب في عام ١٩٦٧م.

هنيئا للسودان الملايين من الدولارات التي سيحصل عليها من دول الجزيرة والخليج، وربما من البنك الدولي وبعض دول أوروبا، وعليه فقط أن يتذكر أنها ملايين مسمومة، لأنها تدفع ثمنا لبيع القدس، وثمنا للتخلي عن دماء الفلسطينيين ونضالاتهم. وحسب قادة المجلس العسكري إثما أن رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب الأميركية جاء في مقابل الاعتراف والتطبيع بشكل متزامن، وهذا يعني أن الفلسطيني يدفع ثمن إصلاح علاقة السودان بأميركا، وثمن حصول السودان على أموال تصلح شؤونه الداخلية، ولعمري إن هذا إثم كبير، وظلم أكبر، والله المستعان، والحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه.