فلسطين أون لاين

إسبانيا في عصر الظلام العربي.. "فرانكو" الدرب المضيء..! (2/2)

هناك المئات من الأدباء والشعراء والفنانين والمفكرين والسياسيين من حملوا هم القضية الفلسطينية، في إسبانيا، والعالم اللاتيني في أمريكا الجنوبية، والكاريبي، لا ينفكون عن تأييد القضية الفلسطينية، رغم اعتراف بعض الدول العربية بدولة الكيان الصهيوني، وتطبيعها؛ بل والتحالف و"الغرام "المتبادل معها، في شتى المجالات، بما لم يكن يحلم بها، لا هرتزل، ولا حاييم وايزمن، ولا بن غوريون، ولا حتى نتنياهو؛ الذي يحظى بأكبر استقطاب تقاربي حميمي مع كيانات عربية هزيلة ساقطة، باعت شرف امتها وفق هواها ومصالحها – بأبخس الأثمان، وبمكافآت سخية من بعضها، عربونا " للود والمحبة "...!!

ولعلي هنا لا أتجاوز الحقيقة، وأنا اتذكر عمق العلاقة الاسبانية، الموغلة في التأييد التام للقضية الفلسطينية، في منتصف سبعينات القرن الماضي؛ رغم بروز التراخي العربي تجاه الكيان الصهيوني، ما حدا ببعض وكالات الانباء العالمية ومنصات اعلامية صهيونية، تُشيع بأن إسبانيا في سبيل التقارب، واقامة علاقات مع "اسرائيل"؛ وذلك عام 1976، وكان الجنرال " فرانكو " قد توفي عام 1975، إيحاءً بانتهاء عهد العداء للكيان الصهيوني.. وقد كان حينئذ وزير الخارجية الاسباني " غوانداليث " في جولة الى بعض الدول الاوروبية، وقد راحت وسائل الاعلام الصهيونية تنسب إليه بعض التخرصات بقرب اقامة علاقات مع "إسرائيل".

وعليه؛ فقد استوقفني الفضول، وأنا أزاول عملي الصحفي في دمشق، فاتصلت هاتفيا من مكتبي بالسفير الاسباني في سوريا، للاستفسار عن هذه التخرصات، فما كان منه إلا ان طلب مني ان أنتظر قليلا ليوافيني بردٍ مكتوب، وفي خلال أقل من ساعة أرسل الي الرد يؤكد فيه بحماسة بالغة أن موقف حكومة بلاده ثابت بما لا يقبل التردد بشأن عدم إقامة أيه علاقة مع الدولة الغاصبة لحقوق الشعب الفلسطيني؛ حتى لو ان دولا عربية تراخت في ذلك، ونفي نفيا قاطعا ما نسبته بعض وكالات الإعلام المتصهينة الي وزير خارجية بلاده في هذا الشأن.

والحقيقة أن الموقف الاسباني من القضية الفلسطينية قد ظل مؤيدا تأييدا لا يقل عن التأييد العربي لهذا القضية، والقضايا العربية عامة، طيلة فترة قيادة " فرانكو"، بعيد سقوط الجمهورية الثانية، والحرب الاهلية عام 1939، وحتى وفاته عام 1975، وظل هذا التأييد قائما؛ في عهد (خوان كارلوس)؛ إلا أن رياح التراخي العربية، وخاصة بعد " كامب ديفيد 1979 " وإقامة أول اعتراف، من دولة عربية، بالكيان الصهيوني، ودول عربية تعمل في الخفاء مع الكيان، بقيت حكومات اليمين الاسباني، تميل نحو الاعتراف بدولة الكيان الصهيوني؛ مع التمسك بحق الشعب الفلسطيني، في تقرير مصيره، وعودة اللاجئين الفلسطينيين الى ديارهم؛ والعودة الى تقارب بين اليمين الإسباني المتقدم في تأييده للحق الفلسطيني، واليسار الذي كان يدعو للاعتراف ب "اسرائيل " مع تأييد الشعب الفلسطيني؛ وفق القرارات الدولية...!!

وبالإجمال يمكن التأكيد بأن الموقف الاسباني في تأييده المطلق للقضية الفلسطينية، كان فريدا، من دولة غير عربية، وتدعو للغرابة من دولة أوروبية، استحوذت على التقارب، وأفضل العلاقات مع الدول العربية، رسميا وشعبيا...!!

لعل هنالك أسبابا فرضت هذا الموقف "المتفرد" الذي بقيت الكثير من ظلاله، تترجم وداَ وتأييداً للقضايا العربية عامة؛ حتى بعد انتهاء عهد " فرانكو"؛ ولا ننسى أن هذا الزعيم اليميني؛ الذي وصف ب الديكتاتور، أنه كان مُؤيدَاً من النازية الالمانية، في عهد " هتلر " والفاشية الايطالية في عهد " موسوليني"، وهذا ارتباط له معناه، الى جانب تفاصيل أخرى؛ ربما نتطرق إليها في مناسبة أخرى..

نماذج تأييد للحقوق العربية

مواقف كثيرة؛ كلها تؤيد الحقوق العربية، وبالذات الحق الفلسطيني، بحيث لا يمكن ان نستوفيها في مقال كهذا.

لعل معارضة دولة الكيان الصهيوني دخول إسبانيا للأمم المتحدة حتى عام 1955 قد أذكت رياح التباعد مع هذه الدولة.

ونشير هنا أن إسبانيا لم تدخل هذا المحفل الدولي عام 1955 إلا بأصوات الدول العربية، ودول امريكا اللاتينية، والكاريبي، وبعض الدول الافريقية.

ثانيا، نشير الى ان "اسرائيل" ظلت تقف مع بريطانيا، وضد إسبانيا، التي تطالب بعودة جبل طارق الى إسبانيا وتحقيق وحدة أراضيها؛ فيما الدول العربية ظلت تؤيد إسبانيا في هذا الشأن..

ثالثا، فيما ظلت إسبانيا؛ من اليمين واليسار تؤيد الحقوق العربية في المحافل الدولية والاقليمية، ولو بمستويات أقل بعد عهد فرانكو، فأن إسبانيا أخدت ترنو الى الانضمام الى "السوق الاوروبية المشتركة، "والاسرائيليون " يراوغون بالضغط كي تقبل إسبانيا الاعتراف وإقامة علاقات كاملة معها..

وهنا تجدر الإشارة الى ممارسة تل أبيب شتى الضغوط على امريكا، لكي تنثني إسبانيا عن تأييدها للحق الفلسطيني، إلا أن إسبانيا ظلت أكثر قربا الى الحق العربي الفلسطيني...!!

وهكذا ظلت إسبانيا تصوت في الامم المتحدة على جميع القرارات المؤيدة للقضية الفلسطينية؛ منها القرار 3236 دورة 1974 حول إقرار حقوق الشعب الفلسطيني والقرار 3237 بشأن منح المنظمة الاممية مركز عضو مراقب في دورات الجمعية العامة للأمم المتحدة، والمؤتمرات الدولية التي ترعاها.

هذا؛ وقد شهدت " برشلونة " عام 1980 أكبر تظاهرة شعبية تضامنا مع الشعب الفلسطيني..

ومن جهة أخرى اعترفت إسبانيا بإقامة ممثلية لفلسطين في مدريد عام 1977. وفي أيلول/ سبتمبر عام 1979 وجهت إسبانيا لرئيس منظمة التحرير، دعوة ً لياسر عرفات لزيارة إسبانيا رسميا؛ اعتبرت أول مرة يستقبل فيها رئيس الحكومة الاسبانية في دولة غرب أوروبية..

الخلاصة أن تفاصيل كثيرة، تثير الكثير من اللواعج والعبر؛ بأن الحق إذا لم يفرط فيه أهله، يجد الكثير من الانصار والمؤيدين، حتى يحق الحق، ولنا في مواقف كثير من الدول الافريقية، وأمريكا اللاتينية والاسلامية، التي أيدت الحق العربي في صراعه مع العدو الصهيوني، وقاطعت وسحبت السفراء من دولة الكيان، ثم عادت تستأنف علاقاتها بشكل أوثق، بعيد تراخي بعض الأنظمة العربية وتحللها من التزاماتها القومية تجاه فلسطين، وشعب فلسطين...

وهكذا؛ مرحبا بالموقف الاسباني، كيفما كان؛ وليت إسبانيا (هسبانيا) في قلب الوطن العربي...!!!

رحماك فرانكو.. لقد كنت في الدرب المضيء..!!!