فلسطين أون لاين

بـ"المنمنمات".. "مجدي" يصنع "سلاحًا فنيًّا مقاوِمًا"

...
غزة- مريم الشوبكي:

رصاصة لم يتعدَّ طولها سنتيمترًا نحت منها مجدي أبو طاقية جنديًّا يحمل رمحًا معها بدأت حكايته مع فن المصغرات، الذي احترفه بإعادة تدوير مخلفات الاحتلال، لتصبح سلاحًا فنيًّا شاهدًا على جرائمه بحق الفلسطينيين.

نحت مجدي الحديد والنحاس بأدوات بسيطة ومجهود مضاعف، وحولهما إلى آلات وأسلحة وطائرات حربية، ومواقع أثرية ودينية فلسطينية، وأرخ بمجسم لأحداث مسيرة العودة الكبرى وكسر الحصار السلمية التي انطلقت في آذار (مارس) 2018م.

فن المصغرات أو المنمنمات أو الديوراما مجسمات صغيرة قد تصل إلى حجم الأصبع، تُحوّل إلى حياة حقيقية، منتشر في العراق وسوريا، واليابان، ودول أخرى، ويستخدم في أفلام الخيال العلمي، وخرائط الكروكي العسكرية، وصياغة المجوهرات.

غرفته الواقعة في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة تحولت إلى معرض تكدست فيه مصغرات لأدوات الطبخ كطنجرتي الضغط والكهرباء حديثًا، وبابور الكاز قديمًا، وخيم الشعر البدوية واللجوء، والبيوت الفلسطينية القديمة، وآلات نقل قديمة، وطائرات استطلاع و(إف 16).

يقول مجدي (40 عامًا): "نحت الحديد والنحاس ليس بالأمر السهل مع عدم توافر الأدوات التي تساعدني على ذلك، إذ أستخدم السكينة، والإبرة، وورق البرداخ، وفي بعض الأحيان أنحت في الأرض لأحصل على سطح أملس لمنحوتاتي".

تتسلل ضحكة في أثناء حديثه مضيفًا لصحيفة "فلسطين": "المعدات التي أستخدمها أقدم من معدات الفراعنة في النحت، وهذا يصيبني بالإجهاد والتعب، ويستنزف مني وقتًا طويلًا في صناعة مجسم متناهي الصغر، إذ يعد من أصعب الفنون لحاجته إلى دقة عالية".

ويكمل: "يمكن أن يمتد عملي 24 ساعة متواصلة، لكي أنفذ أدق التفاصيل في المجسم، رغم الإجهاد، ولكن أشعر بأنني أتابع مسلسلًا وبوصولي إلى النتيجة النهائية أشعر بأن التعب تلاشى من جسدي".

الرسم موهبة أغنت الإبداع الذي ينتجه مجدي عبر المجسمات في الوقت الحاضر، إذ بدأت موهبته وهو في السابعة من عمره حينما نحت من الخشب "أسلحة" ليحاكي بها مقاومة الاحتلال مع أقرانه عندما كان طفلًا.

وفن الديوراما ليس فنًّا حديثًا، وإنما مستحدث إذ تُستخدم المادة الأصلية لصناعة المجسم ليكون مطابقًا للحقيقة، يشرح مجدي أنه لكي يصنع مصغرًا لبيت الشعر -مثلًا- يستخدم الصوف، وخشب الزيتون، وعرجون النخيل حتى يحاكي البيت الذي يصنعه البدو في الواقع.

"أبعاد تراثية وسياسية"

وعن قيمة فن المصغرات الذي يصنعه من مخلفات الاحتلال يقول: "الفن مقاومة، وإعادة تدوير أسلحة الاحتلال لصنع مجسمات تصور تاريخ القضية الفلسطينية تفضحه أمام العالم، لأنه قتل بها عشرات آلاف الفلسطينيين".

ويشير إلى أن النحت على غصن الزيتون مثلًا له أبعاد تراثية وسياسية، ويحقق صدى إعلاميًّا قويًّا، لا سيما أنه يتعلق بشعب محاصر، ويؤكد للعالم أن الشعب الفلسطيني رغم كل الأزمات ما يزال "قلبًا ينبض بالمعجزات".

وإتقان فن المنمنمات لم يتعلمه مجدي بل كان موهبة فطرية داخله، جسّدها بمصغرات تحاكي حياته في فلسطين بكل تفاصيلها القديمة والحالية، من طريق التعلم الذاتي بتطبيق أفكاره على أي معدن أو مادة من فخار أو خشب.

وكل فن لكي يثبت نفسه بقوة يواجه صاحبه صعوبات تعترض طريقه، يشكو مجدي مما يصفه بـ"قلة تقدير فن المصغرات وعدم إدراك أهميته"، قائلًا: "أجد دعمًا معنويًّا وكلمات تشجيع وانبهار بفني، ولكن لا أحد يقدم دعمًا ماديًّا لتوفير أدوات تساعدني على النحت على الأقل".

ويؤكد أن فن المصغرات يؤرخ لتاريخ أي بلد في العالم، وتلفت نظر السياح إلى زيارة فلسطين، والمعارض التي تقام لهذا الفن تعد بديلًا عن المتاحف التي تؤرخ لتراث قديم وتاريخ حديث.

ويكشف مجدي عن مشروعه الذي يخطط لتنفيذه بصناعة مصغرات للمسجد العمري، والمسجد الأقصى، مناشدًا "تبني مشروعه وتوفير الأدوات اللازمة لمساعدته على تطبيقه".

يطمح إلى أن يصل صدى فنه من المحلية إلى العالمية، ليوصل رسالته للعالم بأن الشعب الفلسطيني محب للحياة.

يحلم مجدي بمعرض دولي يقام في أي مدينة فلسطينية، يقدم فيه مجسمات ترصد حياة وواقع الشعب الفلسطيني، وأماكنه الأثرية والتاريخية، التي يحاول الاحتلال طمسها وتزييف الحقائق.