تحدثت في مقال أمس عن حالة من التراجع في ملف المصالحة الفلسطينية الداخلية، وقلت إن التراجع إما أن يكون بسبب عوامل ذاتية فلسطينية، وإما أن يكون بسبب تدخلات خارجية لا تريد المصالحة، وربما للسببين معا. وفي مقال اليوم أقول لماذا ثمة تراجع في العلاقات العربية مع السلطة الفلسطينية؟!
قبل الإجابة يجدر أن نسأل سؤالا توضيحيا: هل ثمة تراجع حقيقي، أم إننا نعيش وضعا عربيا طبيعيا؟ الجواب يقول: نعم ثمة تراجع، ونرصده في علاقة السلطة مع المملكة السعودية، ونرصد تراجعا مؤكدا مع الإمارات والبحرين، وتراجعا نسبيا مع عمان وربما الكويت. وهناك تراجع في العلاقة مع مصر، وتراجع في العلاقة مع السودان، ولست أدري طبيعة الأحوال مع الأردن؟! ويصاحب هذا التراجع تراجع آخر مع أميركا وربما فرنسا ودول أخرى في الاتحاد الأوروبي؟! وفي الوقت نفسه تتقدم (إسرائيل) في علاقاتها مع جميع الدول المذكورة على حساب السلطة الفلسطينية.
إذا اتفقت معي على هذا الرصد والتشخيص فإنه يمكننا البحث في الأسباب، والتي نراها لا تخرج عن ثلاثة أمور: الأول: يتمثل في قصور ذاتي في أداء الخارجية الفلسطينية، وتوجيهات الرئاسة لها، ونرصد هنا اضطرابا بين المسئولين الفلسطينيين في إدارة ملف تطبيع الإمارات والبحرين مع (إسرائيل)، ولم نلحظ مثلا قيام الخارجية الفلسطينية أو الرئاسة بزيارة للسودان لثنيه عن التطبيع، وتوضيح أضرار التطبيع على القضية الفلسطينية. إنه إذا كانت الخارجية تشعر بيأس من العرب، فإن الدبلوماسية لا تعرف اليأس، وهذه (إسرائيل) قد نجحت في التطبيع مع دول عربية كانت يوما تزعم أن (إسرائيل) عدوا استراتيجيا لها وللعرب؟!
والثاني يتمثل في أن الدول التي خفضت علاقتها مع السلطة، وخفضت دعمها المالي لها، وليس بينها وبين عباس زيارات، كلها ترجع لمحور الدول المطبعة مع (إسرائيل)، ولمحور الدول التي تشتري رضا البيت الأبيض بالضغط على السلطة الفلسطينية، وهي الدول التي قبلت بشكل أو بآخر صفقة القرن. وإذا كان الأمر كذلك فالعيب هنا في هذه الدول أكثر منه فشلا في الخارجية الفلسطينية.
والثالث يرجع إلى الضغوط الأميركية على السلطة لتمرير صفقة القرن، وإلى التعنت الإسرائيلي في الاستجابة للحد الأدنى من مطالب السلطة بحسب اتفاق أوسلو، ومقتضيات المرحلة الثانية التي تشمل قضايا الحل النهائي. وهذه الضغوط توجه بعضها الى قادة عرب، لبناء كتلة ضاغطة على الفلسطينيين، وقد تلقت أميركا استجابات متفاوتة من القادة العرب، حتى إن بعضهم بحث تغيير قيادة السلطة.
هذه الأسباب مجتمعة ربما تشرح عوامل تراجع علاقات السلطة مع العرب من ناحية، ومع قوى دولية من ناحية أخرى، والسلطة مسئولة ذاتيا عن مستوى من هذ التراجع، بينما تقع بقية المستويات على قادة عرب كلنا نعرفهم، وعلى البيت الأبيض الراعي الحصري لكل تراجع. ومن هنا يمكن أن يكون مفيدا للرأي العام أن نطلب من السلطة توضيح علاقاتها مع العرب، ومع غيرهم، حتى نخرج من دائرة التحليلات إلى دائرة القرار والمعلومات. ننتظر، والله المستعان.