"في الحرب القادمة لن يكون لسكان الشمال مكان يخلون إليه، لأن مئات الصواريخ ستضرب أيضاً وسط البلاد كل يوم، وخاصة الصواريخ الثقيلة (التي تحمل مئات الكيلوجرامات من المتفجرات)، اليوم لدى حزب الله وحماس عشرات الآلاف من الصواريخ على المدى الطويل، تغطي جميع مراكزنا السكانية، غوش دان وخليج حيفا، والقدس، والمئات منها دقيقة، حتى لو نجحنا في تدمير 60% من هذه الصواريخ، فإن الـ 40% المتبقية ستعيد إسرائيل عقوداً للوراء، ستضرب بالكهرباء والمياه والوقود والبنية التحتية الصناعية والاقتصادية وقواعد القوات الجوية والبرية والمراكز الحكومية والمطارات والأهداف الاستراتيجية، وأيضاً في التجمعات السكانية".
بهذه الكلمات خاطبت صحيفة هآرتس جمهورها الصهيوني لتحذره من خطورة أي حرب قادمة بين "إسرائيل" والمقاومة، وتهيئه في نفس الوقت ليعيش حال الرعب التي لم يعتد عيشها من قبل، فحروب "إسرائيل" الماضية لم تكن بالنسبة للصهاينة تمثل هذا السيناريو المرعب، قد تثير شيئاً من القلق نعم، ولكنها لم تكن أبداً بهذه الصورة المظلمة التي رسمتها صحيفة هآرتس لقرائها الصهاينة، نعم كانت الحروب بالنسبة لهم تمثل النصر والزهو والفخر، وفي المقابل الموت والخوف والرعب والهزيمة للعرب.
لم يكن يشعر سكان "إسرائيل" بالحرب ولم يعانوا من آثارها، فقط كانوا يسمعون أخبارها من خلال الراديو ووسائل الإعلام، لم تكن تزعجهم أصوات الانفجارات، ولا أزيز الطائرات، ولم تكن تزكم أنوفهم رائحة الموت، فالمعركة تجري على أرض العدو، ومن يذوق مرارتها ويحس بقسوتها هم العرب فقط، جاءت كلمات صحيفة هآرتس لتنهي هذا الماضي "الجميل"، وتخبر عن مستقبل مظلم مجهول، يدرك الصهاينة جيداً أنه واقع لامحالة ويحسبون له ألف حساب.
بالنسبة لنا كشعب فلسطيني لم يكن حديث صحيفة هآرتس مفاجئاً ولا صادماً، بل كان حديثاً متوقعاً لأننا نعيش مراحل تطور المقاومة لحظة بلحظة، وجولة بجولة، وحرب بحرب، ونشهد في كل مرة صدقها وإصرارها وعزيمتها التي تنزل برداً وسلاماً على قلوبنا، وناراً ودماراً على الصهاينة، حتى أصبح يقيننا أننا قاب قوسين أو أدنى من تحقيق وعد الله فينا وفيهم.
الغريب أنهم (الصهاينة) يدركون كما ندرك نحن أن مستقبلهم مظلم، بدليل ما كتبته صحيفة هآرتس ناهيك عن عديد كُتابهم الذين تناولوا مستقبلهم على أرضنا الطبية، ولكن في هذا الوقت بالذات الذي بدأت فيه أولى مشاهد نهاية خرافتهم البغيضة تتراءى لكل ذي بصيرة، في هذا الوقت بالذات، نجد قبائل من الأعراب (ولا أسميها دولاً) تتهافت بشكل يثير التقزز للالتصاق بجيفة هذا الكيان المتآكل، وكأنها تربط مصيرها بمصيره من حيث لا تدري.
فكل من يقرأ المشهد الصهيوني سواء من داخله أو في إطاره الخارجي يدرك أن التعفن قد بدأ يسري في أوصاله إيذاناً بموته المحتوم، فعلى الصعيد الداخلي من أبرز مشاهد تحلله، هذه المظاهرات بعشرات الآلاف التي تخرج يومياً لمطالبة نتنياهو بالاستقالة لفساده الذي أزكم أنوفهم، في ذات الوقت الذي لا يتجانس فيه الائتلاف الحاكم والذي استولد بعد أربع عمليات انتخابية عندهم في شيء، اللهم سوى الفوز بالسلطة على حساب القيم والمبادئ التي بنيت عليها "دولتهم" وذلك كله لم يحدث في تاريخهم المشئوم، هذه الحالة من التصدع في كافة المستويات في المجتمع الصهيوني، تصفها الكاتبة اليهودية ياعيل دايان ابنة موشي دايان في كتابها المعنون بـ"وجه المرأة" بشكل أدق، حيث تقول: "ما بين التصدع القومي والتصدع الديني والطائفي والطبقي، تتشكل عوامل انهيار دولة "إسرائيل" في المستقبل، أو على أقل تقدير دخولها في دوامات الصراع الداخلي... نحن نعيش فوضى مطلقة في مجتمعنا".
وعلى الصعيد الخارجي لم تعد لهم تلك اليد الطولى الأثمة، التي امتدت بالظلم والعدوان لتعيث فساداً في المنطقة دون أن تجد قوة حازمة صارمة لتغلها إلى عنق من أطلقها بالباطل، يواكب كل ذلك صعود قوىً أخرى وكأنها قادمه من عمق التاريخ " الخرساني" و" العثماني"، ابتعثها من مرقدها هذا التطاول النكد من شعب المسكنة على خير أمة أخرجت للناس، فجاءت لتضبط موازين هذه البقعة المباركة من الأرض بإرادة الله ووفقاً لسننه في الكون، ولذلك فإن كل ناقد بصير يرى الدائرة لاتزال تضيق حول هذا الكيان وصولاً لخنفه، لتموت معه الأطراف والزوائد من قبائل الأعراب التي مدته بالحياة طوال فترة وجوده، رغم الزعم الذي كان سائداً بأنها أطراف وزوائد الطوق، ولكن اتضح الأن أنه لم يكن إلا طوق نجاه مُد لهذا الكيان طوال سبعين عاماً.