انتفض رمزي مصطفى من مكانه بلمح البصر، وامتدت يداه عاليًا متصلبتين مفرودتين الكفين، وصخب في أرجاء المكان بصوته الجهور، ليس لأن ثعبانًا أو عقربًا لدغه على حين غرَّة، بل لأن أحد لاعبي فريق بايرن ميونخ الألماني أضاع فرصة محققة لتسديد هدف في شباك غريمه ريال مدريد الإسباني.
هذا المشهد لم يقتصر على رمزي فحسب، بل تكرر أخيرًا مع أكثر من مئة مشجع تجمعوا في مقهى صغير مغلق بحي الشيخ رضوان، شمالي مدينة غزة، لمتابعة الخصمين في إياب ربع النهائي من دوري أبطال أوروبا.
كانت الأجواء هناك جنونية بمعنى الكلمة، أصوات عالية تخرج من أفواه ضاحكة مبتسمة، وهتافات تدوي تشجيعًا للفريقين.
وتعلقت عينا رمزي البالغ من العمر (30 عامًا) بشاشة كبيرة معلقة على أحد جدران المقهى، بعد أن صدَّ حارس الفريق الألماني كرة سددها لاعب الريال كريستيانو رونالدو، قبل أن يقول بانفعال: "أوه، صدها والله، برافو عليك".
واعتاد رمزي الجلوس في المقهى، يحاول الهرب برفقة أصحابه مؤقتًا من أزمات الحياة.
يقول لـ"فلسطين" وهو ينظر إلى إحدى الشاشات الخمس المعلقة: "كل يوم آتي وأصحابي إلى هنا، نلعب "الشدَّة"، نتابع المباريات، نحاول تخفيف ضغوطنا".
علا الصخب في المقهى مجددًا بعد أن سدد كريستيانو برأسه كرة لم يتمكن حارس الفريق الألماني من صدها هذه المرة، وأحرز الهدف الأول في المباراة، وتهللت أسارير مشجعي ريال مدريد لحظات بدوا فيها سعداء إلى أبعد الحدود، في حين كان آخرون يضربون أخماس بأسداس، كان هؤلاء مشجعي بايرن ميونخ.
من بين هؤلاء الشاب حمزة شويخ، البالغ من العمر (33 عامًا)، الذي التزم مقعده ولم يحتفل كأقرانه من مشجعي الفريق الألماني، وأشعل سيجارته بعصبية وبدأ يدخن.
يقول شويخ وقد أدار وجهه نحو شاشة التلفاز لمتابعة المباراة وهو يتحدث لـ"فلسطين": "آتي هنا أربع مرات في الأسبوع الواحد حال توافرت الإمكانات المناسبة، فكل مشروب يكلف خمسة شواكل، ولا يحق لك الجلوس إن لم تشرب وتدفع".
"وأحيانًا لا آتي إلا مرة واحدة أسبوعيًّا؛ فبيتي أولى من المقهى والجلوس فيه، وقس على ذلك أحوال باقي الشبان هنا" يضيف شويخ الأب لطفلين في سن الثالثة والخامسة، ويعمل في تجارة السمك.
فجأة انتصب الشاب من مكانه كما غيره العشرات داخل المقهى، وعمت الفوضى، بعد أن صدَّ حارس الفريق الذي يشجعه كرتين متتاليتين سددهما اثنان من لاعبي الريال.
ينتهي الشوط الأول بهدف أحرزه رونالدو، ويفر بعض المشجعين من صالة المقهى بسبب الدخان، ويبدأ آخرون أحاديث جانبية عن أجواء "المباراة النارية" كما يصفها خليل الزيناتي (32 عامًا).
يمازح أحد أصدقائه: "تقلقش، لو فاز الريال الليلة، حلوانك علي". ويضيف: "أتمنى صعود الريال، لكن فريق بايرن ميونخ ليس من السهل التغلب عليه".
وعن سبب مجيئه إلى المقهى يقول لـ"فلسطين": "التيار الكهربائي مقطوع عن البيت، ولا يمكن أضيع هذه المباراة، أدرك أن متعة مشاهدة المباراة برفقة الأصدقاء لن تستمر طويلًا، قبل عودة كل واحد إلى همومه".
مضت ربع ساعة بالتمام قبل أن تنتهي استراحة الشوطين، وعاد لاعبو الفريقين الأوربيين إلى المستطيل الأخضر، وبدأ المشجعون يجلسون على مقاعدهم المتجاورة التي امتلأت بها ساحة المقهى.
عادت الأجواء الجنونية مجددًا مع كل ضربةٍ يسددها أحد لاعبي الفريقين "الميرنغي" و"البافاري" تجاه مرمى الآخر، وارتفعت وتيرتها بعدما أحرز فريق بايرن ميونج هدف التعادل، وأتبعه بهدف آخر، ليعادل بذلك نتيجة الذهاب على أرضه (هدفين لريال مدريد وهدفًا لميونخ)، قبل أن يحرز الريال ثلاثة أهداف في الشوط الإضافي الأول، خلال الإياب، لينهي المباراة برباعية نظيفة.
بالمناسبة "الميرينغي" لقب لنادي ريال مدريد، نسبة إلى حلوى إسبانية بيضاء مصنوعة من السكر وبياض البيض، أما "البافاري" فليقب به فريق بايرن ميونخ، الذي يقع مقره في مقاطعة "بافاريا" الألمانية.
قرابة الساعتين أمضيت هناك، وقبل أن أهمّ بالمغادرة شد انتباهي مشجع يرتدي لباس ريال مدريد، وأحضر معه طبلة لم يتوان عن الضرب عليها بقوة مصدرًا نغمة متعارفة غزِّيًّا، وهو يزمجر ومجموعة من رفاقه: "ولعت، ولعت، ولعت".