فلسطين أون لاين

لقب بـ"سفير الصورة الفلسطينية"

بشغفِ "ثابت".. "السيدة كام" توثق "لحظات من عمر غزة"

...
غزة/ هدى الدلو:

بدأ الانخراط في عالم التصوير متأخرًا، أما الدافع فكان حادثة حصلت معه في إحدى الرحلات مع الأصدقاء، حيث سمع صوتًا أيقظ في داخله شيئًا غريبًا، كان صوت "شتر الكاميرا" عبارة عن دلو ماء بارد سُكب على رأس فوتوغرافي يغفو في أحشائه فاستيقظ يجري وبيده كاميرا مطاردًا الضوء في كلّ اتّجاه، ومن هنا بدأت رحلة الشغف وملاحقة الضوء ودهشة الأشياء الأولى.

فادي ثابت من مدينة غزة، مواليد ١٩٧٨، حاصل على بكالوريوس التربية الفنية، ويعمل حاليًا معلم تربية فنية في إحدى مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا".

زوايا وأشكال وخطوط ورسومات مبهمة لا يعرف ما المغزى منها، تحيكها أصابعه التي كانت تداعب التراب الذي تربطه به علاقة وطيدة، طريقة يفرّغ بها طاقة الداخلية، وموهبة تصارع للخروج إلى النور.

يقول ثابت لصحيفة "فلسطين": "موهبتي التي بزغت منذ نعومة أظفاري، جعلتني متميّزًا بين أقراني حتى ظهرت مواهب متنوّعة منها الرسم، والخط العربي، ثمَّ تذوق الغناء والموسيقى، ومحاولات الكتابة، كلّ ذلك دفعني لدراسة التربية الفنية لصقل الموهبة بالدراسة والتخصص".

فالتصوير هو موهبة ناتجة عن دراسة التربية الفنية، فالفوتوغرافيا جزء مهم وأصيل من تدريس مناهج الفنون في الكليات المتخصصة.

وبعد دراسته الجامعية ظهرت موهبته في التصوير التي أخذ بيدها لتطويرها من خلال معرفته ماذا تريد أن يحقق؟ ويحدد أين يريد أن يصل؟، "غالبا التصوير بشكل يومي والممارسة هي أهم ركائز تطوير الموهبة للارتقاء بها لدرجة الاحتراف".

عادة بعد كل يوم دراسي متعب يحظى بعد عودته بقسط من الراحة، ومن ثم يذهب ليحقق ذاته ويطور موهبته، فقد جاب الأزقة والشوارع والمخيمات، ولاحق الشروق والغروب باحثًا عن لقطة جميلة، فهو عاشق للألوان والأشكال والحوارات الصامتة بين عينيه وكنز الطبيعة الذي لا ينضب، ففكرة التأمل هي من أسمى الأفكار التي توصلك لحقيقة الأشياء، ومعرفة أسرارها ومكنوناتها.

في حياة الشارع الغزي روايات عميقة، وقصص من قلب الحدث، حيث تدهشه الكاميرا التي يسميها "السيدة كام"، فهي تتحكم وتختار صورها بنفسها، وتقوده لالتقاطها واخراج القصص العميقة التي تتحدث عن حال صاحبها هي كالصيّاد الماهر الصبور.

يضيف ثابت: "يظن الناس أنني أتكبد عناء البحث عن العيون الملونة والأطفال البائسين، لكن حقيقة إن الله سبحانه وتعالى يسوقهم إلي سوقًا، وكأنني أحمل رسالة إظهار قصص الأطفال والنساء والشيوخ الذين أكلتهم الحرب العدوانية، وأعيتهم الصدمات النفسية من الواقع الأليم الذي تخلّفه، وصوت الطائرات الحربية، والقصف المدمر، وأصوات الانفجارات المتتالية".

فيحمل مسؤولية أن تصل رسالة هؤلاء الأبرياء المحرومين من أبسط الحقوق التي كفلتها مواثيق حقوق الإنسان واتفاقيات جنيف للأطفال، ولو عن طريق مصور فوتوغرافي، "هؤلاء الأطفال في عيونهم ألف باب للأمل والمستقبل الواعد الجميل، لذلك تصوير الشارع من أصعب أنواع التصوير، حيث الاحتكاك المباشر في قصص وروايات الناس، وشواهد أحياء على قصة التغريبة الفلسطينية الكبيرة".

"الجانب المضيء"

"سفير الصورة الفلسطينية".. لقب حاز عليه ثابت بعد زياراته المتعددة للعواصم العربية، وإقامة المعارض الشخصية في الكثير من الدول العربية والأوربية، وحصوله على العديد من الجوائز، فكان يتحمل عناء السفر والحصار ويحاول مرات ومرات لإيصال رسالة أبناء شعبه المحاصر لكل العالم.

ويشير إلى أن ذلك جاء بعد آخر سلسلة معارض شخصية أقامها في العاصمة اللبنانية بيروت، تحت اسم ضوء من غزة، "فكنت سفيرًا يحمل الهم الفلسطيني إلى العالم أجمع، ليرى ويشاهد ما يعانيه الفلسطيني من ظلم في ظل الاحتلال والحصار".

حصل على الميدالية الذهبية، المركز الأوَّل في مسابقة التصوير الفوتوغرافي على مستوى الوطن العربي الخاصة بالمنظمة العربية للتصوير الفوتوغرافي (HD) محور التأطير، في مصر، وأيضًا المركز الأوَّل مكرَّر مرتين عن فئة آراء الحكام، في جائزة عبد الرازق بدران بالأردن، وغيرها من الجوائز، والعديد من الشهادات ودروع التكريم داخل الوطن، وإقامة معرض تحت عنوان "ألف صورة من المدينة المحاصرة" في مدينة غزة على شاطئ بحرها.

ويتابع ثابت بأن الإنسان الفلسطيني يريد العيش بحرية على أرضه، بينما الاحتلال يمارس القتل ضد كل ما هو فلسطيني، ويعمل على طمس معالم الهوية الوطنية والموروث الوطني الكبير لشعب طالما حلم بما هو أجمل.

ولدى ضيفنا ميول في الكتابة، حيث إنه يكتب يوميات المدينة بالضوء، ويلاحق تفاصيلها منذ بزوغ الفجر وحتى انبلاج ساعات النهار الأولى وما يصاحبها من عادات يومية بضجيجها ولعبها، يعيش من خلالها تفاصيل مدينته بدقة يرصد من خلالها جماليات تراجيديا اليوم، فمن خلال معاناة الأطفال وملابسهم الرثة وصعوبة الحياة ومحاربتهم من أجل قوتهم اليومي، كما تفاصيل ضحايا العدوان ومعاناتهم الجسدية.

ويعمل ثابت على تسليط الضوء على ذلك الجانب المضيء الذي يسكن الروح، والذي يأبى الاستسلام فتنفجر الضياء والضحكات وأصوات الأغنيات، وتنفتح الاذرع نحو السماء، فتستمع من خلال الصورة إلى صرير العجلات وقهقهات العجائز وأصوات الباعة والأطفال وهم يلعبون، وأحلام وأفكار وآراء مختلفة نلتقطها من خلال تثبيت تلك اللحظة التي تقول كل شيء، فالصورة كتابة أخرى.

الفوتوغرافيا تحمل رسالة إنسانية سامية، فهو رحلة متقدمة للولوج في معرفة أسرار الجمال والفرح والحزن والألم، وتكمن أهميته في إيقاظ حماس الشعوب، فهو ليست للتسلية والترفيه عن النفس فقط، إنّما صراع ساخن بين الروح والعقل والجسد من جهة، والطبيعة وأسرارها وخفاياها، كما يقول.

ويختم بأن دور الفنان في تسليط الضوء من خلال عدسته على قضايا الناس وظروفهم لتوثيق اللحظة التي يعيشونها، سواء أكانت فرحًا أو سعادة، أو ألمًا، أو عدوانا، فهو كأنما "يوقف" اللحظات من عمر الوقت لتكون الصور خير شاهد على الظروف.